نحو ما تفيده كلمة التفويض ، لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجددة ، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى ، فالحاصل أن ما صدر من النبي لم يكن بصورة التشريع القطعي ، بل كان دعاء وطلباً من الله سبحانه لما وقف على مصالح في ما دعاه وقد استجاب دعاءه كما يفيده قوله في الحديث « فأجاز الله عز وجل له ذلك ».
قال العلاّمة المجلسي : « التفويض في أمر الدين يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والأئمة عموماً أن يحلوا ما شاءُوا ويحرّموا ما شاءُوا من غير وحي وإلهام ، أو يغيروا ما اُوحي اليهم بآرائهم ، وهذا باطل لا يقول به عاقل ، فان النبي كان ينتظر الوحي أياماً كثيرة لجواب سائل ، ولا يجيبه من عنده وقد قال تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) النجم : ٤.
وثانيهما : أنه تعالى لما أكمل نبيه بحيث لم يكن يختار من الاُمور شيئاً إلا ما يوافق الحق والصواب ، ولا يخطر بباله ما يخالف مشيئته تعالى في كل باب ، فوض اليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل في الصلاة والصوم ، وطعمة الجدّ وغير ذلك ممّا مضى وسيأتي ، اظهاراً لشرفه وكرامته عنده ، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي ، ولم يكن الاختيار إلا بالالهام ، ثم كان يؤكد ما اختاره بالوحي ، ولا فساد في ذلك عقلاً ، وقد دلت النصوص المستفيضة عليه ممّا تقدم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبينا من المجلد السادس.
ولعلّ الصدوق رحمهالله أيضاً إنما نفى المعنى الأول ، حيث قال في الفقيه : « وقد فوض الله عز وجل إلى نبيه أمر دينه ، ولم يفوض اليه تعدّي حدوده » وأيضاً هو رحمهالله قد روى كثيرا من أخبار التفويض في كتبه ولم يتعرض لتأويلها.