موقوف على كلّ جزء من الغسل ، فإذا فرض عروض حدث أصغر في أثنائه ، فلا بدّ لرفعه من مؤثّر تامّ ، وهو إمّا الغسل بجميع أجزائه ، كما قرّرناه ، أو الوضوء ، والثاني منتفٍ في غسل الجنابة ؛ للإجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب له ، وما بقي من أجزاء الغسل ليس مؤثّراً تامّاً لرفعه ، فلا بدّ من إعادته من رأس.
وهذا الدليل كما دلّ على وجوب إعادته دلّ على انتفاء القولين الآخرين ، وهُما : الاكتفاء بإتمامه خاصّةً ، كما اختاره ابن البرّاج وابن إدريس والشيخ علي (١) ؛ رحمهمالله ، أو إكماله والوضوء بعده ، كما هب إليه السيّد المرتضى (٢) ؛ والمحقّق (٣). ؛ إن قيل : لانسلّم أنّ الغسل يرفع الحدث الأكبر والأصغر معاً ، بل إنّما يرفع الأكبر المنويّ رفعه ، ولهذا لو خلا عن مقارنة الحدث الأصغر ، كان رفعه منحصراً في الأكبر ، والأصغر لا أثر له معه.
سلّمنا أنّ له أثراً لكن أثره يرتفع على جهة الاستتباع لأعلى جهة الاستقلال ، وإلا لوجب نيّة رفعه ؛ لحديث إنّما لكلّ امرئ ما نوى. (٤)
سلّمنا لكن عدم تأثير ذلك البعض المتقدّم على الحدث الأصغر في رفعه يقتضي وجوب الوضوء للحدث لا إعادة الغسل ، وإلا لزم كون الحدث الأصغر من موجبات الغسل ؛ لاشتراك الناقض والموجب في المعنى.
قلنا : لمّا دلّت الأدلّة بل الإجماع على أنّ الأحداث المعدودة سبب في وجوب الطهارة ثبت لها الحكم ، سواء تعدّدت أم اتّحدت ، وتداخلها مع اتّفاقها أو دخول الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة مع فرض الاجتماع لا يوجب سقوط ما ثبت لها من السببيّة ودلّ عليه الدليل وانعقد عليه الإجماع ، فالأصل فيها أن يكون كلّ واحد منها سبباً تامّاً في مسبّبها ، ولا معارض لذلك في غسل الجنابة إلا تخيّل الاكتفاء بالغسل لو اجتمع الأكبر والأصغر أو وجد الأكبر خاصّة ، فيقتضي عدم الفرق بين وجود الأصغر وعدمه. ولا حقيقة لهذا الخيال ؛ لأنّ التداخل لمّا ثبت للمتساويين قوّةً وضعفاً كما في اجتماع أحداث كثيرة توجب
__________________
(١) جواهر الفقه : ١٢ ، المسألة ٢٢ ؛ السرائر ١ : ١١٩ ؛ جامع المقاصد ١ : ٢٧٦.
(٢) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ١٩٦.
(٣) المعتبر ١ : ١٩٦.
(٤) صحيح البخاري ١ : ٣ / ١.