أمّا الأوّل : فلموافقتهم في مسألة الجاري لاعن مادّة على عدم نجاسة المجموع إذا كان كُرّاً وأصابته نجاسة غير مغيّرة ، أو كانت مغيّرةً ولم تقطع عمود الماء وكان الباقي من الأعلى والأسفل كُرّاً ، أو قطع عمود الماء مع كون الأسفل كُرّاً ، وفي كلّ هذه الصور يتقوّى الأعلى بالأسفل ، وإلا لزم الحكم بنجاسته.
وبيان ذلك : أنّ الجزء من الماء المتّصل بالنجاسة أو المساوي لها في السطح ينجس بها ؛ لمماسّته لها مع عدم الكثرة المتّصلة به من أعلى ، كما هو المفروض ، ثمّ ذلك الجزء يماسّ جزءاً آخر وهلمّ جرّاً إلى آخر الأسفل ، فلو لم يتقوّ الأعلى بالأسفل ، لزم نجاسة جميع ما جاوز النجاسة إلى المنتهي السفلي وإن كان كثيراً ، مع حكمهم بعدم نجاسته.
وأما الثاني : فلأنّا نمنع من استلزام ذلك نجاسة الأعلى ؛ فإنّا لم نحكم عليه بالطهارة لمجرّد التقوية أو الاتّصال ، بل لدخوله في عموم الخبر أو إطلاقه ، فإنّه يصدق عليه أنّه كُرّ فلا ينجّسه شيء ، بخلاف ما نقص عنه. وأمّا عدم نجاسة الأعلى على تقدير القلّة فالإجماع منعقد على أنّ النجاسة لا تسري إلى الأعلى مطلقاً ، ولا خصوصية لذلك بالماء ولا بغيره ، بل يأتي في المائعات التي لا يقوّي بعضها بعضاً مطلقاً ؛ لعدم تعقّل سريان النجاسة إلى الأعلى مع كون حركته إلى جهة النجاسة ، ولو كان كذلك ، لما أمكن الحكم بطُهر شيء بالقليل ؛ لأنّه عند صبّ الماء واتّصاله بالنجس ينجس الماء في الآنية المصبوب منها وتنجس الآنية ، وذلك كلّه خلاف الإجماع.
وجملة الجواب ترجع إلى أنّ تقوّي الأعلى بالأسفل على تقدير الكثرة إنّما هو بالنصّ لا بالاستنباط ، ولا يرد النقض باستلزامه نجاسة الأعلى حينئذٍ.
ويتفرّع على ما ذكرناه من التفصيل مسائل :
منها : الجاري غير النابع عند الجماعة.
ومنها : الجاري وإن كان نابعاً عند المصنّف ومَنْ تبعه على اشتراط كُرّيّته. وقد علم حكمهما.
ومنها : الغديران إذا لم يكن كلّ منهما كُرّاً ووصل بينهما قبل ملاقاة النجاسة لهما ، فإنّهما لا يقبلان النجاسة حينئذٍ إلا بالتغيير ، ولو لاقتهما أو أحدهما النجاسة قبل الاتّصال ، لم ينفعهما.