وممَّن يمثل ذلك المقام في الاَُمّة الاِسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين علي أمير الموَمنين عليهالسلام فهو في عامة مواقفه في جهاده ونضاله ، وعزلته وقعوده في بيته ، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الاَُمّة ، فهو في كلّهذه الاَحوال والمواقف ، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى.
وقد صرح الاِمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة ، فقال : «أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لاَلقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولاَلفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ» (١).
وقد تجلت هذه الخصلة في علي عليهالسلام حين مبيته في فراش النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
روى المحدّثون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب عليهالسلام بمكة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلىاللهعليهوآلهوسلم له : يا علي اتَّشح ببردي الحضرمي الاَخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه ، إن شاء اللّه عزّوجلّ ، ففعل ذلك عليهالسلام فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يوَثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويوَثره بالحياة ، اهبطا إلى الاَرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.
__________________
١. نهج البلاغة : الخطبة ٣.