الامر الكوفة عاصمة لهم (١) باعتبارها مركزاً للتشيع الذي قدموا انفسهم على انهم من انصاره ، غير ان الخليفة الثاني المنصور قرر بناء مدينة جديدة تنافس في روعتها وجلالها دمشق التي كانت مقراً للامويين ، وقد وقع اختيار الخليفة على موضع بغداد الذي لم يكن معروفاً قبل ذلك والذي يقع بالقرب من طيسفون عاصمة الساسانيين التي كانت حتى ذلك الوقت قد اضمحلت نهائياً. وهكذا وضع الحجر الاساس في عام ٧٦٢م فظهرت بعد سنوات اربع في الموضع الذي كانت تحتله قرية صغيرة عديمة الاهمية ، مدينة المنصور الفخمة أو «مدينة الرفاه» (٢) كما سماها الخليفة الذي كان يشرف على البناء بنفسه.
حققت بغداد بسرعة ازدهاراً مدهشاً واصبحت مدينة عالمية وذلك بفضل الموقع الممتاز الذي كانت تحتلة حيث تقع في مركز واحدة من اخصب مناطق الخلافة وعلى ضفة نهر دجلة الصالح للملاحة وعند ملتقى الطرق التجارية القادمة من الشام وجزيرة العرب وارمينيا وفارس. ولقد ساعد وجود عاصمة الخلافة في قلب العراق على زيادة رفاه هذا الاقليم واعطى دفعة قوية لتطور التجارة والصناعة فيه. وقد انعكس ذلك العصر الذهبي بالنسبة للعراق ايجابياً على البصرة التي ارتقت بسبب ذلك من مشارك بسيط في التجارة البحرية بين الهند والشرق الاقصى وجزيرة العرب إلى ميناء لعاصمة العالم الاسلامي كله.
لقد اعطى وجود احفاد برمك الذين ينتمون إلى اسرة فارسية قديمة من كهنة بلخ في السلطة ولمدة نصف قرن على شكل وزراء ومستشارين
__________________
(١) Ritter, Op. Cit. T. VllAbT. lS. ١٨٤.
(٢) الصحيح : «مدينة السلام». (المترجم).