تمكن الموفق من انجاز هذه المهمة اسعده نجاح آخر احرزه قائده احمد بن ليثويه الذي حطم في الشوش جيشاً زنجياً ـ صفارياً مشتركاً. ولم يلبث الموفق ان وجد حلفاء له في شخص السامانيين في ماوراء النهر الذين جذبوا قوى الصفار بحيث لم يبق امام القوات الحكومية مرة اخرى الا الكفاح ضد الزنج.
كان «الخبيث» (١) حتى هذا الوقت قد اعلن نفسه خليفة وضرب لنفسه عملة خاصة واجبر رجال الدين في المدن التي اخضعها الزنج على الخطبة له في اثناء صلاة الجمعة ، غير ان نوايا هذا الدعى وطموحاته كانت أوسع من ذلك فقد شجعته النجاحات التي احرزتها قواته فأخذ يفكر بالاستيلاء على بغداد عاصمة الخلافة نفسها وأرسل اليها بالفعل قوات كثيرة العدد يقودها سلمان بن جامع الذي تمكن بعد سلسلة من الاشتباكات الناجحة ضد بعض الفصائل الحكومية من احتلال واسط ونهبها كالعادة. عند ذلك أرسل الموفق ضد الزنج جيشاً تعداده خمسون الف مقاتل يقوده ابنه ابو العباس والحق به اسطولاً كاملاً من السفن الصغيرة لتعقب الزنج في القنوات وتفرعات الانهر حتى اوكارهم المحصنة نفسها. وقد افتتح القائد الشاب العمليات العسكرية بهجوم مفاجئ على قوات الزنج المرابطة في واسط واصابها باندحار شنيع.
اسرعت جحافل الزنج المندحرة بالتراجع إلى معسكراتهم المحصنة التي تحمل اسماء فضفاضة مثل «المنصورة» و «المنيعة» واختبأوا فيها ، ولم
__________________
(١) استخدام المؤلف لهذا الوصف ووصف (الدعي) ايضاً لا يتناسب مع الأمانة التاريخية والحياد ، فهذا اللقب استخدمه خصومه العباسيون ولقبه كما درج عليه المؤرخون هو (صاحب الزنوج). (حميد الدراجي).