تحولت بالتدريج من معسكر حربي إلى مدينة تضم اسواقاً وخاناً للقوافل ومنازل ومالبث الحرفيون والتجار ان بدأوا بالتوافد عليها فاصبحت مركزاً لتجارة والصناعة مزدهرتين. لقد نمت هذه المدينة بالاساس بعد ان انتقل اليها سكان البصرة القديمة التي خربها الزنج واضمحلت بسبب ذلك تماماً. وقد سميت المدينة الجديدة في البداية باسم «بصيرة» وحلت محل المدينة السابقة التي بناها عمر وتحولت بمرور الوقت إلى البصرة القائمة حالياً.
لم يكد جنوب العراق يفيق كما ينبغي من مآسي أربع عشرة سنة من سيطرة العبيد السود حتى اصابته نكبة جديدة متمثلة بالقرامطة الذين كانوا فرعاً من الاسماعيلية وهي فرقة شيعية تمجد اسماعيل الابن الاكبر للامام جعفر رغم ان اباه (١) كان قد جرده من الامامة لصالح ابنه الثاني موسى الذي اعترف به بقية الشيعة باجمعهم. لقد كان الشيعة يعتبرون اسماعيل الامام المدعو للأطاحة بسلطة العباسيين واعادة الخلافة إلى بيت علي وعندما لم يتحقق ما كانوا يأملونه تحول الاسماعيلية إلى فرقة مسالمة لا تتميز بشيء لو لم يتمكن عبد الله بن ميمون وهو فارسي اسرته من ميديا من تحويلها إلى منظمة سياسية قوية (٢).
ان هذا الشخص الطموح الذي سعى لان يشتهر كنبي كان يتميز بفضل معرفته بالغيبيات ، بتحرر فكري واسع فقد اعلن ان الله قد اختاره لمساعدة محمد المهدي بن اسماعيل أخر الائمة الذي تجسد فيه الله لكي يعلم الناس بارادته عن طريقه. وبهذا يكون عبد الله بن ميمون قد اسس
__________________
(١) إسماعيل بن الإمام الصادق توفي حياة والده (ع).
(٢) FF Dozy, Op. Cit. p. ٢٥٩