واذا كانت مكة لم تنج من غزو القرامطة رغم بعدها عن الاحساء فان بامكاننا والحالة هذه ان نتصور مدى الاذى الذي تسببوا فيه لجنوب العراق وعاصمتها لبصرة وهو المنطقة التي كانت تؤلف بسبب مجاورتها للاحساء هدفاً دائماً لغزوات القرامطة الماحقة. ولم يكن بالامكان صد هذه الكارثة خصوصاً وانها تزامنت مع انتها السلطة الزمنية بشكل تام لخلفاء بغداد الذين كانوا لهذا السبب عاجزين عن النضال ضد هؤلاء الوحوش.
لقد بدأ تحول العباسيين من كونهم حكاماً دنيويين للاسلام إلى مجرد الأكتفاء باحتلال المكانة الدينية «لخلفاء رسول الله» منذ نصف القرن التاسع في عهد خلفاء المأمون عندما اصبح قادة قوات الترك المرتزقة ينصبون الخلفاء ويعزلونهم على اهوائهم وانتهى هذا التحول عندما ظهر لقب «امير الامراء» أي القائد الاعلى لجيوش الخلافة. لقد كان الخليفة المقتدر اول من منح هذا اللقب فقد انعم به في عام ٩٠٩م على خصي حريمه مؤنس عرفاناً منه بجميله لانه انقذ حياته من المتآمرين. ولم يكن امير الامراء في اول الامر اكثر من قائد اعلى للجيش ولكن ضعف وعدم اهلية الخلفاء مكن من يتولى هذا المنصب من التدخل في الحكم ومن الحصول بالتدريج على نفوذ استثنائي في شئون الخلافة. وظل الوضع على هذا النحو إلى ان تولى الخلافة عام ٩٣٤م الخليفة الراضي الذي اختار لمنصب امير الامراء والي واسط والبصرة محمد بن رائق. وما ان وصل محمد هذا إلى بغداد حتى رأى بان من الضروري ابعاد الراضي حتى عن إدارة الشؤون المالية للخلافة ، وبعد أن استولى بهذا الشكل على خزينة الدولة خصص مبلغاً معيناً لاعالة امير المؤمنين وبلاطه (١).
__________________
(١) Weil, Op. Cit. T. II. S.٦٦٣.