لقد عانت البصرة طيلة هذا الوقت من تقلبات المصير نفسها التي عانتها بغداد فانتقلت معها من اسرة إلى اخرى وقاست بدرجة لاتقل عنها من النزاعات الداخلية والخصومات الدامية بين افراد هذه السلالات. وقد اشتد وضع البصرة المأساوي اكثر بسبب من انها كانت على الدوام هدفاً للغزوات الوحشية التي شنها عليها في البداية القرامطة حتى اختفائهم عن المسرح التاريخي حوالي عام ١٠٥١م وبعد ذلك البدو الذين كانوا قد اعتادوا على حرفة الغزو تحت راية أولئك القرامطة.
لقد انعكس تدهور الخلافة العباسية على الحكام المجاورين لبغداد فاثار لديهم الرغبة في الاستقلال التام. وقد اعطى من يطلق عليهم اسم «البريدين» أو ابناء صاحب بريد البصرة المثل لذلك. فقد كان هؤلاء يحكمون عربستان باسم الخليفة وقد تميز من بينهم بالنشاط الجم والطموح الفائق ابو عبد الله الذي لم يكن يحجم عن اية وسيلة لتحقيق اهدافه. وقد استغل ابو عبد الله هذا عجز الخلفاء الذين وصلوا إلى ادنى درجات الهوان فحاز على سلطة مطلقة في عربستان الخاضعة له وبدأ يفكر بتوسيع ممتلكاته.
كان يحكم البصرة في ذلك الوقت شخص اسمه محمد بن يزيداد وقد تسلم ولايتها بالشراء وكان قد اصبح معتاداً اعتباراً من منتصف القرن التاسع عندما اصبحت تكاليف المرتزقة الترك الكبيرة وكذلك مصاريف الخلفاء تبتلع جميع موجودات الدولة من النقود تقريباً فتحتم من اجل ملء الخزينة اللجوء إلى اجراءات استثنائية مثل بيع مناصب الولاة واخذ مبالغ ضخمة في مقابل أي ترقية أو تعيين جديدين. وكان حاكم البصرة الذي يدفع مقابل الحصول على منصبه مبلغاً لا يستهان به يسعى بالطبع لانه يستعيد هذا المبلغ مع فائض آخر من الأهالي الذين كان يدفعهم