إلّا أن تظلم ، وما لك حجة إلّا الباطل ، والباطل لا يكون حجّة ، وهذا استثناء من غير الحسن. كقول القائل : ليس في الدّار أحد إلّا الوحش. كقول النابغة :
وما بالرّبع من أحد إلّا وأرى لأيا ما |
|
أمنّها وننوي كالحوض بالمظلومة الجلد |
وهذا قول الفراء والمؤرخ.
وقال أبو روق : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) يعني اليهود عليكم حجة ؛ وذلك إنّهم كانوا قد عرفوا إنّ الكعبة قبلة إبراهيم وقد كانوا وجدوا في التوراة أنّ محمّدا سيحوّل إليها. فحوّله الله إليها لئلا يكون لهم حجة فيحتجون. بأن هذا النبيّ الّذى نجده في كتابنا سيحوّل إليها ولم تحوّل أنت فلمّا حوّل النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذهبت حجّتهم ثمّ قال : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم يعني إلّا أن يظلموكم فيكتموا ما عرفوا.
وقال الأخفش : معناه لكفى الّذي ظلموا (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) يعني : لكن يتبعون الظّن ، قوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) (١) يعني لكن تبتغى وجه ربّك فيكون منفردا من الكلام الأوّل.
وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة إنّه قال : ليس موضع إلّا هاهنا موضع الاستثناء لأنّه لا يكون للظالم حجّة إنّما هو في موضع واو العطف كأنّه قال : ولا الّذين ظلموا يعني والّذين ظلموا لا يكون لهم أيضا حجّة.
وأنشد المفضل :
ما بالمدينة دار غير واحدة |
|
دار الخليفة إلّا دار مروانا (٢) |
وأنشد أيضا :
وكلّ أخ مفارقة أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان |
يعني والفرقدان أيضا متفرقان وأنشد الأخفش :
وارى لها دارا بأغدرة السيدان |
|
لم يدرس لها رسم |
إلّا رمادا هامدا دفعت |
|
عنه الرياح خوالد سحم (٣) |
أي : وأرى دارا ورمادا ، يؤيّد هذا القول ما روى أبو بكر بن مجاهد عن بعضهم إنّه قرأ
__________________
(١) سورة الليل : ١٩.
(٢) مجمع البيان : ١ / ٤٢٧.
(٣) مجمع البيان : ١ / ٤٢٧.