يأخذن شيئا من المهر ، أو يعفو الزوج فيعطيها الصداق كاملا ، وهذا قول علي وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد ومحمد بن كعب القرضي ونافع والربيع وقتادة وابن حبّان والضحّاك ورواية عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ، وهو مذهب [أهل] العراق لا يرون سبيلا للولي على شيء من صداقها إلّا بإذنها ، ثيّبا كانت أو بكرا ، قالوا : لإجماع الجميع من أنّ ولي المرأة لو أبرأ زوجها من مهرها قبل الطلاق أنه لا يجوز ذلك ، فكذلك إبراؤه وعفوه بعد الطلاق لا يجوز ، ولإجماعهم أيضا على أنه لو وهب وليّها من مالها لزوجها درهما بعد البينونة أثم ما لم يكن له ذلك ، وكانت تلك الهبة باطلة والمهر مال من أموالها ، فوجب أن يكون الحكم كحكم بإبراء ، مالها ولإجماعهم أنّ من الأولياء من لا يجوز عفوه عليها بالإجماع ، وهم بنو الأخوة وبنو الأعمام وما يفرق الله [بعض] في الآية.
عن عيسى بن عاصم قال : سمعت شريحا يحدّث قال : سألني علي عن (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، فقلت : ولي المرأة ، فقال : لا ، بل الزوج ، وروي أن رجلا زوّج أخته وطلقها زوجها قبل أن يدخل بها ؛ فعفا أخوها عن المهر فأجازه شريح ، ثم قال : أنا أعفو عن نساء بني مرّة فقال عامر : لا والله ما قضى شريح قضاء أردأ ولا هو أحمق فيه (١) منه أن يجيز عفو الأخ ، قال : رجع بعد شريح عن قوله ، وقال : هو الزوج (٢).
وعن القاسم قال : كان أشياخ الكوفة ليأتون شريحا فيخاصمونه في قوله (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) حتى يجثو على ركبتيه فيقول شريح : إنه الزوج ، إنه الزوج.
روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قالوا : هو الزوج ، وقال طاوس ومجاهد : هو الولي فكلّمتهما في ذلك فرجعا عن قولهما وتابعا سعيد وقالا : هو الزوج ، وروى محمد بن شعيب مرسلا أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «(الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) الزوج ، يعفو فيعطي الصداق كاملا» [١٦١] (٣).
وعن صالح بن كيسان أن جبير بن مطعم تزوّج امرأة ثم طلّقها قبل أن يبني بها فأكمل لها الصداق وقال : أنا أحقّ بالعفو وتأوّل قوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) فيكون وجه الآية على هذا التأويل (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده ، فلمّا أدخل الألف واللام حذف الهاء كقوله (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) يعني مأواه ، وقال النابغة :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم |
|
من الناس فالأحلام غير عوازب (٤) |
__________________
(١) في التفسير : ما قضى شريح قضاء أحق منه أن يجيز ، وفي السنن الكبرى : فضاء قط كان أحمق منه حين ترك قوله الأول.
(٢) تفسير الطبري : ٢ / ٧٣٦ ، والسنن الكبرى : ٧ / ٢٥١.
(٣) جامع البيان للطبري : ٢ / ٧٤٣.
(٤) جامع البيان : ٢ / ٨٤٥.