يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك ، فلمّا خرجوا قال (لَهُمُ اللهُ : مُوتُوا) ، عقوبة لهم ، فماتوا جميعا ، وماتت دوابهم كموت رجل واحد ، فأتى عليهم ثمانية أيام حتّى انتفخوا وأروحت أجسادهم ، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها.
واختلفوا في مبلغ عددهم ، فقال عطاء الخراساني : كانوا ثلاثة آلاف ، ابن عباس ووهب : أربعة آلاف ، مقاتل والكلبي : ثمانية آلاف ، أبو روق : عشرة آلاف ، أبو مالك : ثلاثون ألفا ، الواقدي بضعة ومائتين ألفا ، ابن جريج : أربعين ألفا ، عطاء بن أبي رياح : سبعين ألفا ، الضحّاك : كانوا عددا كبيرا ، وأولى الأقاويل بالصواب قول من قال : زادوا على عشرة آلاف ، وذلك أنّ الله تعالى قال (وَهُمْ أُلُوفٌ) وما دون العشرة لا يقال ألوف ، إنّما يقال : ثلاثة آلاف فصاعدا إلى عشرة آلاف ، فمن الألوف جمع الكثير وجمعه القليل آلاف ، مثل يوم وأيام ، ووقت وأوقات ، وألف على وزن أفعل.
[وقيل :] كانوا ثلاثة آلاف [وكيسة] (١) اليمان أعجمي من بني الفداحم.
قالوا : فأتى على ذلك مدة وقد بليت أجسادهم وعريت عظامهم وتقطّعت أوصالهم ، فمرّ عليهم نبي يقال له حزقيل بن بوري ثارم أحد خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليهالسلام ، وذلك بأنّ القيّم بأمر بني إسرائيل كان بعد موسى عليهالسلام يوشع بن نون ، ثم كالب بن يوفنا ، ثم حزقيل ، وكان يقال له ابن العجوز وذلك أنّ أمه كانت عجوزا فسألت الله تعالى الولد ، وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لها فلذلك قيل له : ابن العجوز (٢).
قال الحسن ومقاتل : هو ذو الكفل لأنّه تكفل سبعين نبيّا وأنجاهم من القتل ، وقال لهم : اذهبوا فإني إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا ، فلمّا جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين ، قال : إنهم ذهبوا ولا أدري أين هم ، ومنع الله ذا الكفل من اليهود ، فلمّا مرّ حزقيل على أولئك الموتى وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم متعجبا منهم ، فأوحى الله إليه : يا حزقيل تريد أن أريك آية ، فأريك كيف أحيي الموتى؟ قال : نعم ، فأحياهم الله. هذا قول السدي وجماعة من المفسّرين.
وقال هلال بن يساف وجماعة من العلماء : بل دعا حزقيل ربّه أن يحييهم ، فقال : يا ربّ لو شئت أحييت هؤلاء فعمّروا بلادك وعبدوك ، فقال الله : أتحب أن أفعل؟ قال : نعم ، فأحياهم.
وقال عطاء ومقاتل والكلبي : بل هم كانوا قوم حزقيل أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام ، وذلك أنّهم لما أصابهم ذلك خرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى وبكى وقال : يا ربّ كنت في
__________________
(١) كذا في المخطوط.
(٢) تاريخ الطبري : ١ / ٣٢٢.