الموت (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) أمر تحويل كقوله (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
(ثُمَّ أَحْياهُمْ) من بعد موتهم (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) إلى (يَشْكُرُونَ) ثم حثّهم على الجهاد فقال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) طاعة الله ، أعداء الله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قال أكثر المفسّرين : هذا للذين أحيوا ، قال الضحّاك : أمروا أن يقاتلوا في سبيل الله فخرجوا من ديارهم فرارا من الجهاد ؛ فأماتهم الله عزوجل ثم أحياهم ثم أمرهم أن يعودوا إلى الجهاد ، وقال بعضهم : هذا الخطاب لأمّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) الآية ، قال سفيان : لمّا نزلت (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «رب زد أمتي» [١٧٧] فنزلت (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) الآية ، فقال : «زد أمتي» فنزلت (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
واختلف العلماء في معنى هذا القرض ، فقال الأخفش : قوله (يُقْرِضُ) ليس لحاجة بالله ولكن تقول العرب : لك عندي قرض صدق وقرض سوء لأمر يأتي فيه مسرّته أو مساءته.
وقال الزجاج : القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيّئ ، قال أمية بن أبي الصلت :
لا تخلطنّ خبيثات بطيّبة |
|
واخلع ثيابك منها وأنج عريانا |
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا |
|
أو سيّئا أو مدينا مثل ما دانا (١) |
وأنشد الكسائي :
تجازى القروض بأمثالها |
|
فبالخير خيرا وبالشرّ شرّا (٢) |
وقال أيضا : ما أسلفت من عمل صالح أو سيّئ.
ابن كيسان : القرض أن تعطي شيئا ليرجع إليك مثله ويقضى شبهه ؛ فشبّه الله عمل المؤمنين لله على ما يرجون من ثوابه بالقرض ؛ لأنّهم إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما عند الله عزوجل من جزيل الثواب ، فالقرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه ، قال لبيد :
وإذا جوزيت قرضا فاجز به |
|
إنما يجزى الفتى ليس الجمل (٣) |
قال بعض أهل المعاني : في الآية اختصار وإضمار ، مجازها : من ذا الذي يقرض عباد الله [قرضا] كقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وقوله (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فأضافه سبحانه هاهنا إلى نفسه للتفضيل وللاستعطاف ، كما في الحديث : إن الله تعالى يقول لعبده :
__________________
(١) البيت الأول في تاريخ الطبري : ٣ / ٤٥٤ ، والثاني في لسان العرب : ٧ / ٢١٦.
(٢) تفسير القرطبي : ٣ / ٢٣٩.
(٣) لسان العرب : ٧ / ٢١٧.