فقال طالوت : لا حاجة لي في كلّ ما أرى. لا يخرج معي رجل بني بناء لم يفرغ منه ، ولا صاحب تجارة مشتغل بها ، ولا رجل عليه دين ، ولا رجل تزوّج بامرأة لم يدن لها ولا أبتغي إلّا الشاب النشيط الفارغ.
فاجتمع ثمانون ألفا ممن شرطه وكان في حرّ شديد فشكوا قلّة المياه بينهم وبين عدوهم ، وقالوا : إنّ المياه لا تحملنا فادع الله تعالى أن يجري لنا نهرا.
فـ (قالَ) طالوت : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ) مختبركم ليرى طاعتكم وهو أعلم (بِنَهَرٍ) قرأه العامّة بفتح الهاء ، وقرأ حميد وابن محصن بِنَهْرٍ ساكنة الهاء ، وهما لغتان مثل شعر وشعر وصخر وصخر وصمغ وصمغ وسمع وسمع وفحم وفحم.
قال ابن عباس والسدي : هو نهر فلسطين. قتادة والربيع : نهر بين الأردن وفلسطين عذب.
(فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) أي ليس من أهل ديني وطاعتي (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) يشربه (فَإِنَّهُ مِنِّي) نظير قوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (١) ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) قرأ ابن عباس ، وابن أبي إسحاق ، وسليمان التيمي ، وابن أبي الجوزاء ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وأبو مخرمة ، وأبو عمرو ، وأيوب : غَرْفَةً بفتح الغين وقرأ الباقون بضمّه وهو قراءة عثمان وهما لغتان.
وقال الكسائي وأبو عبيدة : الغرفة بالضم الذي يحصل في الكف من الماء إذا غرف.
والغرفة : الاغتراف ، فالضم اسم والفتح مصدر.
وقال أبو حاتم : الغرفة بالضم ملء الكف أو ملء المغرفة ، والغرفة : المرّة الواحدة من القليل والكثير.
(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) نصب على الاستثناء. وقرأ ابن مسعود قليل بالرفع كقول الشاعر :
وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان |
وكلّ قرينة قرنت بأخرى |
|
وإن ضنّت بها سيفرّقان (٢) |
واختلفوا في القليل الذي لم يشربوا ، فقال السدي : كانوا أربعة آلاف ، وقال غيره : ثلاث مائة وبضعة عشر وهو الصحيح ، يدلّ عليه قول البراء بن عازب قال : قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر : «أنتم اليوم على عدّة أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاء معه إلّا مؤمن» (٣) [١٨١]
__________________
(١) سورة المائدة : ٩٣.
(٢) لسان العرب : ١٥ / ٤٣٢.
(٣) كنز العمال : ١٠ / ٤٠٠ ح ٢٩٩٥٥ وجامع البيان : ٢ / ٨٣٩ بتفاوت.