(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) بيّن العداوة ، وقيل : مظهر العداوة ، قد أبان عداوته لكم بإبائه السّجود لأبيكم آدم عليهالسلام وغروره إياه حين أخرجه من الجنّة ، وأبان : يكون لازما ومتعديا ، ثمّ بيّن عداوته فقال (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ) (١) : يعني الإثم ، وأصل السّوء كل ما يسوء صاحبه ، وهو مصدر : ساءه ـ يسوءه ـ سوءا ومساءة إذا حزنه وسوءه شيء أي حزنته فحزن. قال الله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢). قال الشاعر :
إنّ يك هذا الدّهر قد ساءني |
|
فطالما قد سرّني الدّهر |
الأمر عندي فيهما واحد |
|
لذلك صبر ولذا شكر |
(وَالْفَحْشاءِ) يعني المعاصي ، وما قبح من القول والفعل وهو مصدر كالبأساء والضّراء واللاواء ، ويجوز أن يكون نعتا لا فعل له كالعذراء والحسناء ، وقال متمم بن نويرة.
لا يضمر للحشا تحت ثيابه |
|
خلق شمائله عفيف المبرر |
واختلف المفسرون في معنى الفحشاء المذكور في هذه الآية.
روى باذان عن ابن عبّاس قال : الفحشاء كلّ ما فيه حدّ في الدّنيا من المعاصي فيكون من القول والفعل ، والسّوء من الذنوب ما لا حدّ فيه.
طاوس : عنه فهو ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة.
عطاء عنه : البخل. السّدي : الزّنا.
وزعم مقاتل إنّ جميع ما في القرآن من ذكر الفحشاء فإنّه الزّنا إلّا قوله (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) فإنّه منع الزّكاة.
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من تحريم الحرث والأنعام.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) اختلفوا في وجه هذه الآية ، قال بعضهم : إنّها قصّة مستأنفة وأنّها نزلت في اليهود على هذا القول تكون الهاء والميم في قوله : (لَهُمُ) كناية عن غير مذكور.
وروى محمّد بن إسحاق بن يسار عن محمّد بن أبي محمّد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عبّاس قال : دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليهود إلى الإسلام ورغّبهم فيه وحذّرهم عذاب الله ونقمته فقال له نافع بن خارجة ومالك بن عوف (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) فهم كانوا خيرا واعلم منّا فأنزل الله هذه الآية ، وقال قوم : بل هذه الآية صلة بما قبلها وهي
__________________
(١) سورة البقرة : ١٦٩.
(٢) سورة الملك : ٢٧.