فقال : صام النّهار إذا اعتدل ، وقام قائم الظهيرة ؛ لأنّ الشمس إذا طلعت في كبد السّماء وقفت فأمسكت عن السير سريعة. قال امرؤ القيس :
فدع ذا وسلّ الهمّ عنك بحسرة |
|
ذمول إذا صام النّهار وهجرا (١) |
وقال الرّاجز :
حتّى إذا صام النّهار واعتدل |
|
وسال للشمس لعاب فنزل |
ويقال للرجل إذا صمت وأمسك عن الكلام : صام.
قال الله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (٢) : أي صمتا.
فالصوم : هو الإمساك عن المعتاد من الطّعام والشّراب والجماع.
(كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأنبياء والأمم وأولهم آدم عليهالسلام ، وهو ما روى عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي رضياللهعنه قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم عند انتصاف النّهار وهو في الحجر ، فسلّمت عليه فردّ عليّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثمّ قال : «يا علي هذا جبرئيل يقرئك السلام. فقلت : عليك وعليهالسلام يا رسول الله لم؟
قال : ادن منّي ، فدنوت منه فقال : يا علي يقول لك جبرئيل : صم كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم عشرة آلاف [سنة] وباليوم الثاني ثلاثين ألف [سنة] وباليوم الثالث مائة ألف [سنة].
فقلت : يا رسول الله هذا ثواب لي خاصة أم للنّاس عامة؟ قال : يا علي يعطيك الله هذا الثواب ولمن يعمل مثل عملك بعدك. قلت : يا رسول الله وما هي؟
قال : أيام البيض : ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر» [٣٧] (٣).
قال عنترة : قلت لعلي رضياللهعنه : لأي شيء سميت هذه الأيام البيض؟
قال : لما أهبط آدم عليهالسلام من الجنّة إلى الأرض أحرقته الشمس. فاسودّ جسده ثمّ صام اليوم الثالث. فأتاه جبرئيل فقال : يا آدم أتحب أن يبيض جسدك؟
قال : نعم ، قال : فصم من الشهر ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر فصام آدم عليهالسلام أول يوم فابيض ثلث جسده ، ثمّ صام اليوم الثاني فابيض ثلثا جسده ، ثمّ صام اليوم الثالث فابيض جسده كلّه. فسميت أيام البيض.
قال المفسّرون : فرض الله على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم وعلى المؤمنين صوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر حين قدم المدينة فكانوا يصومونها إلى أن نزل صيام شهر رمضان قبل قتال بدر
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) سورة مريم : ٢٦.
(٣) شرح الأزهار للإمام أحمد المرتضى : ٢ / ٥٣ (الهامش) ط. صنعاء ، وغنية الطالبين : ٧٣٨.