وجاز القسمة. قال : فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في مسجد الفضيح فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليّ بنات له ثلاثا وأنا امرأته وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة ، فلم يعطياني ولا بناته من المال شيئا وهنّ في حجري ، ولا يطعمن ولا يسقين ولا يرفع لهن رأس. فدعاهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلأ ولا ينكأ عدوا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «انصرفوا حتى أنظر ماذا يحدث الله لي فيهن» (١) [٢٤٦] فانصرفوا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(لِلرِّجالِ) يعني الذكور من أولاد الميت وأقربائه (نَصِيبٌ) وحظ وسهم (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) من الميراث ، والإناث لهن حصّة من الميراث.
(مِمَّا قَلَّ مِنْهُ) المال (أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) حظا معلوما واجبا ، نظيرها فيما قال : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٢) وهو نصب لخروجه مخرج المصدر كقول القائل : لك عليّ حق حقا واجبا ، وعندي درهم هبة مقبوضة ، قاله الفراء.
وقال أبو عبيدة : هو نصب على الخروج ، الكسائي : على القطع ، الأخفش : جعل ذلك نصيبا فأثبت لهم في الميراث حقا ، ولم يبيّن كم هو.
ـ فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى سويد وعرفجة : «لا تفرّقا من مال أوس بن ثابت شيئا ، فإن الله تعالى جعل لبناته نصيبا ممّا ترك ولم يبين كم هو ، حتى ننظر ما ينزل الله عزوجل فيهن» ، فأنزل الله عزوجل (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلى قوله (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فلما نزلت أرسل رسول الله إلى سويد وعرفجة : «أن ادفعا إلى أم كحة الثمن ممّا ترك وإلى بناته الثلثين ، ولكما باقي المال» (٣).
(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) يعني قسمة المواريث (أُولُوا الْقُرْبى) الذين لا يرثون (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي فارضوهم من المال قبل القسمة ، واختلف العلماء في حكم هذه الآية :
فقال قوم : هي منسوخة. وقال سعيد بن المسيب والضحاك وأبو مالك : كانت هذه قبل آية المواريث ، فلما نزلت آية الميراث جعلت الميراث لأهلها الوصية ونسخت هذه الآية ، وجعلت لذوي القربى الذين يحزنون ولا يرثون اليتامى والمساكين ، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس.
وقال آخرون : هي محكمة ، وهو قول الأشعري والنخعي والشعبي والزهري ورواية عكرمة ومقسم عن ابن عباس. وقال مجاهد : واجبة على أهل الميراث ما طابت بها أنفسهم.
__________________
(١) أسباب النزول : ٩٦.
(٢) سورة النساء : ١١٨.
(٣) تفسير القرطبي : ٥ / ٤٧.