قال الزجاج : مكر الله مجازاتهم على مكرهم فسمّى باسم الابتداء كقوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (١) ، وقوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٢).
وقال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (٣) |
قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله البغدادي يقول : سأل رجل جنيدا (٤) كيف رضي المكر لنفسه ، وقد عاب به غيره؟ فقال : لا أدري ما يقول ولكن لسيد بني [.....] (٥) الطبرانية :
فديتك قد جعلت على هواكا |
|
فنفسي لا تنازعني سواكا |
أحبك لا ببعضي بل بكلي |
|
وإن لم يبق حبك لي حراكا |
ويقبح [من] سواك الفعل عندي |
|
وتفعله فيحسن منك ذاكا (٦) |
فقال الرجل : أسألك عن آية من كتاب الله وتجيبني بشعر الطبرانية فقال : ويحك قد أجبتك إن كنت تعقل.
إن تخليته إيّاهم مع المكر به. مكر منه بهم ، ومكر الله تعالى خاص بهم في هذه الآية إلقاء الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى حتى قتل وصلب ورفع عيسى إلى السماء.
قال ابن عباس : إنّ ملك بني إسرائيل أراد قتل عيسى ، وقصده أعوانه. فدخل خوخة فيها كوّة ، فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السماء. فقال الملك : لرجل منهم خبيث أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى فخرج إلى النّاس فخبرّهم أنّه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه وظنّوا أنّه عيسى.
وقال وهب : طرقوا عيسى في بعض الليل فأسروه ونصبوا خشبة ليصلبوه ؛ فلمّا أرادوا صلبه أظلمت الأرض وأرسل الله الملائكة فحالوا بينهم وبينه وصلبوا مكانه رجلا يقال له يهودا وهو الذي دلّهم عليه. وذلك أنّ عيسى جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم ، ثم قال : ليكفرنّ أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة. فخرجوا وتفرّقوا ، وكانت اليهود تطلبه. فأتى
__________________
(١) سورة البقرة : ١٥.
(٢) سورة النساء : ١٤٢.
(٣) لسان العرب : ٣ / ١٧٧.
(٤) نسبه في إفحام المخاصم (٣٩) لسمنون.
(٥) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٦) إفحام المخاصم لشيث بن إبراهيم : ٣٩.