(فَنَجْعَلْ) : عطف على قوله : نبتهل.
(لَعْنَتَ اللهِ) : مصدر. (عَلَى الْكاذِبِينَ) : منّا ومنكم في أمر عيسى ، فلمّا قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غدا. فخلا بعضهم ببعض ، فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن نعلم ذلك لنهلكنّ. فإن رأيتم إلّا البقاء لدينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرّجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد غدا رسول الله محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضياللهعنه خلفها وهو يقول لهم : إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران : يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم. فأبوا. قال : فإنّي أنابذكم بالحرب. فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي سكّة ألفا في صفر وألفا في رجب. فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك. وقال : والذي نفسي بيده إنّ العذاب قد نزل في أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا (١).
قال الله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) إلى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : أعرضوا عن الإيمان.
(فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) : الّذين يعبدون غير الله ويدعون النّاس إلى عبادة غيره.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) الآية.
قال المفسرون : قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فأتاهم النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد إنّا اختلفنا في إبراهيم ودينه فزعمت النصارى أنّه كان نصرانيا وهم على دينه وأولى النّاس به. وقالت اليهود : بل كان يهوديا وأنّهم على دينه وأولى النّاس به. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفا وأنا على دينه فأتبعوا دينه الإسلام. فقالت اليهود : يا محمد ما تريد إلا أن نتّخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا. وقالت النصارى : والله يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير.
__________________
(١) الدر المنثور : ٢ / ٣٩ ، والفصول المهمة : ٢٣ ـ ٢٥.