قوله : (الحيض دم). إلى آخره.
لا شبهة في أنّه دم طبيعي خلقه الله تعالى لأجل تكوّن الولد وبقاء النوع ، كالمني ، فإنّ تكوّنه من هذا الدم أزيد ، لأنّ ما زاد عن قدر المني فهو من الحيض ، وغذاؤه أيضا إلى الفطام ، لأنّ اللبن أيضا من الحيض ، فهو من جملة موضوعات الأحكام التي ليست بتوقيفيّة ، كالمني والبول والغائط.
والعرب كانوا قبل الشرع وبعده يسمّونه بالحيض والطمث والقرء ، وكذا العجم يسمّونه باسم آخر ، والكلّ يعرفونه.
وأوّل حدوثه في النساء مذكور في بعض الأخبار (١) ، وكذا علّة حدوثه في كلّ شهر (٢) ، والامم السابقة أيضا كانوا يعرفونه ، وكانوا يجعلون له أحكاما ، منهم من كان يهاجر الحائض هجرة تامّة ، ومنهم من كان يقاربهنّ بلا تفاوت بين حال الحيض وغيره ، بل ربّما كان حال الحيض أزيد. إلى غير ذلك من الأحكام المعروفة الواردة كثيرة منها في أخبارنا (٣).
فكان الشارع إذا قال : لا تقربوهنّ في الحيض ، ويحرم على الحائض الصلاة والصوم ودخول المسجدين ، والمكث في سائر المساجد. وأمثال ذلك ، كانوا يعرفون الحائض بلا تأمّل ، وما كانوا يسألون الحيض ما هو؟ والحائض من هي؟ كالمني والجنب.
نعم ؛ ربّما كان يحصل لهم اشتباه بين الحيض والاستحاضة ، وهو الدم الفاسد
__________________
(١) لم ترد في (ز ١ ، ٢) و (ط) : بعض.
(٢) علل الشرائع : ١ / ٢٩٠ باب علّة الطمث.
(٣) تفسير الكشّاف : ١ / ٢٦٥.