الله تعالى من البشر والملائكة ، ولما ميزه على ولد آدم بما تقدم له من المناقب ، اراد الله تعالى ابانة فضله على الامئكة ليعلم الانبياء والاوصياء والملائكة عليهم السلام ومن عداهم من ولد آدم : انه قد تفرد بما لم تثبت نفس احد عليه وذلك يدل على تحقيق الوعد الصادق عنده من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية. (١)
فلقوه بصيرة لم تحصل لغيره بذل مهجته ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وما امتحن الله سبحانه وتعالى الملائكة بهذا الامتحان إلا وقد علم من حالهم أنهم لا يصبرون على أن يكون الواحد منهم باذلا نفسه دون أخيه ومؤثره بعمره على نفسه ولما علم سبحانه وتعالى ذلك من حالهم كلفهم مع علمه أنه غير واقع منهم ليتبين فضل لأمير المؤمنين عليه السلام عليهم وبذله نفسه في ما لم يبذل أحدهم نفسه فيه فإذا علم بنو آدم أن الملائكة المقربين لم يقدروا على مماثلته في فعله أقروا حينئذ أنه لا مثل له فيهم فتبين فضله على البشر والملائكة جميعا بما يقرب من مرضاة الله تعالى وما تحصل به محبة الله تعالى من بذل نفسه له لأنه تعالى قال (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٢) ولم تحصل محبة الله تعالى لهم في ذلك الا من حيث اقدموا على بذل نفوسهم في سبيله وهم وان كانوا بذلوا نفوسهم في الجهاد في سبيله [لكن ا] مير المؤمنين (ع) كان في الجهاد اقدم على مبارزة الخصوم وبين الحالين فرق ، لان المحارب مجوز «له» (٣) التجارة لنفسه (٤) حال الحرب ومجوز له ضد ذلك : فحاله مترجحة بين الخوف والرجاء ، ومبيت امير المؤمنين عليه السلام لم تترجح فيه الظنون بين السلامة والعطب ، وانما عقدت عليه الضماير بالعطب لكثرة العدو وانهزام النبي صلى الله عليه وآله في ذلك المقام ، فصار الظن في جواز الهلاك اقوى فكذلك كان ظن الملائكة في العطب اقوى ، فلذلك لم يقدموا على فعله ، فبان له (ع) بذلك
__________________
(١) التوبة : ١١١.
(٢) الصف : ٤.
(٣) «له» من اضافتنا لتستقيم العبارة.
(٤) وفى نسخة : النجاة.