الذين يفرحون بمصابك وتسوءهم نعمتك : لن يصيبنا إلا ما خطّ لنا وكتب فى اللوح المحفوظ بحسب سننه تعالى فى خلقه من نصر وغنيمة أو تمحيص وشهادة ، ولا يتغير ذلك بموافقتكم أو مخالفتكم ، فالأمور كلها بقضائه تعالى.
(هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي هو ناصرنا ومتولى أمورنا بتوفيقنا ونصرنا ، ونحن نلجأ إليه ونتوكل عليه ، فلا نيأس عند شدة ، ولا نبطر عند نعمة ، كما قال سبحانه فى بيان سننه تعالى فى خلقه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها ، ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ).
ومن حق المتوكل على الله وحده أن يقوم بما أوجبه عليه فى شرعه ، ويهتدى بسننه فى خلقه ، من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية كإعداد العدّة واتقاء التنازع الذي يولّد الفشل ويفرّق الكلمة ، ثم بعد ذلك يكل الأمر إليه فيما لا تصل إليه الأيدى من الأسباب ويتوقف عليه حصول النجاح.
ويقابل التوكل بهذا المعنى اتكال الماديين على حولهم وقوتهم وحدها ، حتى إذا أدركهم العجز خانهم الصبر وأدركهم اليأس حين حلول البأس ، واتكال ذوى الأوهام الذين يتعلقون بالأمانى والأحلام ، حتى إذا ما استبان لهم فساد أوهامهم نكصوا على أعقابهم وكفروا بوعد ربهم بنصر المؤمنين ، وهو إنما وعد أولياءه لا أولياء الشيطان ، وذوى الخرافات والأوهام.
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا ، فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) أي قل لهم : أيها الجاهلون ، هل تنتظرون بنا إلا إحدى العاقبتين النصر أو الشهادة ، ونحن نتربص بكم إحدى السّوءيين أن يصيبكم ربكم بقارعة سماوية لا كسب لنا فيها ، كما فعل بالأمم المكذّبة لرسلها ، أو أن يأذن لنا بقتالكم إن أغراكم الشيطان بإظهار كفركم ، فتربصوا