بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكى للذى عرض علىّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ـ شجرة قريبة منه ـ وأنزل الله عز وجل (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ).
وفى هذا الحديث تصريح بأن الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم اختيار الفداء كثيرون ، وإنما ذكر فى أكثر الروايات أبو بكر رضى الله عنه ، لأنه أول من أشار بذلك ، ولأنه أكبرهم مقاما.
وروى ابن المنذر عن قتادة قال : أراد أصحاب محمد الفداء يوم بدر ففادوهم بأربعة آلاف ، أربعة آلاف.
الإيضاح
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي ما كان من شأن نبى من الأنبياء ولا من سنته فى الحرب أن يكون له أسرى يتردد أمره فيهم بين المنّ والفداء إلا بعد أن يثخن فى الأرض أي إلا بعد أن يعظم شأنه فيها ويتم له الغلب والقوة بقتل أعدائه ، لأن الملك والدولة إنما تقوى وتشتد بالقتال والقتل كما قال :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى |
|
حتى يراق على جوانبه الدم |
إلى أن كثرة القتل توجد الرعب وشدة المهابة ، وذلك يمنع من الجرأة والإقدام على ما لا ينبغى ، ومن ثم أمر الله به.
وخلاصة ذلك ـ أن اتخاذ الأسرى إنما يكون خيرا ورحمة ومصلحة للبشر إذا كان الظهور والغلب لأهل الحق والعدل ـ ففى المعركة الواحدة يإثخانهم لأعدائهم من المشركين والمعتدين ، وفى الحالة العامة التي تعم كل معركة وكل قتال ؛ فبإثخانهم فى الأرض بالقوة العامة والسلطان الذي يرهب الأعداء.