وكان كفار اليهود يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم حتى بتحريف السلام عليه بقولهم (السام عليكم) ، والسام الموت فيقول : (وعليكم) ثم تكرر نقضهم للعهد حتى كان من أمرهم ما تقدم ذكره ، وكان يعامل المنافقين باللطف واللين بناء على حكم الإسلام الظاهر ، فجرّأهم هذا على أذاه بنحو قولهم (هُوَ أُذُنٌ) فأمره الله فى هذه الآية بالغلظة على الفريقين فى جهاده التأديبى لهم ، لأن أمثالهم لا علاج له إلا هذا كما قال :
ووضع النّدى فى موضع السيف بالعلا |
|
مضرّ كوضع السيف فى موضع الندى |
وهو جهاد فيه مشقة عظيمة ، لأنه موقف وسط بين رحمته ولينه للمؤمنين المخلصين ، وشدته فى قتاله لأعدائه المحاربين ، يجب فيه إقامة العدل واجتناب الظلم ، وأثر عن عمر أنه قال : «أذلّوهم ولا تظلموهم».
وفى هذه الغلظة تربية للمنافقين وعقوبة لهم يرجى أن تكون سببا فى هداية من لم يطبع الكفر على قلبه وتحط به خطايا نفاقه ، فتقطيب وجهه صلى الله عليه وسلم فى وجوههم تحقير لهم يتبعه فيه المؤمنون ، ومن ير أنه محتقر بين قومه وأبناء جنسه من الرئيس وغيره يضق صدره ، ويحاسب نفسه ويثب إلى رشده ويتب إلى ربه.
وهذه السياسة الحكيمة كانت سبب توبة أكثر المنافقين وإسلام ألوف الألوف من الكافرين.
(وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي لا مأوى لهم يلجئون إليه إلا دار العذاب التي لا يموت من أوى إليها ، ولا يحيا حياة طيبة ، وبئس المصير هى «إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً».
والخلاصة ـ إنهم قد اجتمع لهم عذابان : عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة ، وعذاب الآخرة بأن تكون جهنم مأواهم.
ثم ذكر سبحانه الجرائم الموجبة لجهادهم كالكفار ، وهى أنهم أظهروا الكفر بالقول وهموا بشرّ ما يغرى به من الفعل ، وهو الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم ،