اقتلهم ، فقال قائل : أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدم الإسلام ويأمره أبو بكر بالفداء ، وقال قائل : لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه ما أمر بقتلهم.
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر ففاداهم فنزل (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فقال رسول الله : إن كاد ليمسّنا فى خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر».
وبعد أن عاتبهم على أخذ الفداء أباح لهم أكل ما أخذوه ، وعدّه من جملة الغنائم التي أباحها لهم فى أول السورة فقال :
(فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) أي فكلوا مما غنمتم من الفدية حال كونه حلالا بإحلاله لكم ، طيبا فى نفسه لا خبث فيه مما حرم لذاته كالدم ولحم الخنزير.
(وَاتَّقُوا اللهَ) فى أن تعودوا إلى أكل شىء من أموال الناس كفارا كانوا أو مؤمنين من قبل أن يحلّه لكم ربكم.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إنه غفور لذنبكم بأخذ الفداء وإيثار جمهوركم لعرض الدنيا على ما يقتضيه إيثار الآخرة من طلب الإثخان أولا لإعزاز الحق وأهله بإذلال الشرك وكبت حزبه ، رحيم بكم إذ أباح لكم ما أخذتم ، وأباح لكم الانتفاع به.
وخلاصة ما تقدم ـ إنه ليس من سنة الأنبياء ، ولا مما ينبغى لأحد منهم أن يكون له أسرى يفاديهم أو يمنّ عليهم إلا بعد أن يكون له الغلب والسلطان على أعدائه وأعداء الله الكافرين ، لئلا يفضى أخذه فداء الأسرى إلى ضعف المؤمنين وقوة أعدائهم وجرأتهم عليهم ، وما فعله المؤمون من مفاداة أسرى بدر بالمال كان ذنبا سببه إرادة جمهورهم عرض الحياة الدنيا قبل الإثخان الذي تقتضيه الحكمة بإعلاء كلمة الله تعالى ، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، ولو لا كتاب من الله سبق من عدم عقابهم على ذنب أخذ الفداء قبل إذنه تعالى وعلى خلاف سنته ـ لمسهم عذاب عظيم فى أخذهم ذلك ، وإنه أحل لهم ما أخذوا وغفر لهم ذنبهم بأخذه قبل إحلاله لهم ، الله غفور رحيم.