طشت من زمردة خضراء (١) ملأها ثلجا ، فأخذوني فانطلقوني إلى ذروة الجبل ، فأضجعوني على الجبل إضجاعا لطيفا ثم شقّ من صدري إلى عانتي وأنا أنظر إليه ، فلم أجد لذلك حسّا ولا ألما ، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج ، فأنعم غسلها ثم أعادها. وقام الثاني فقال للأول : تنحّ فقد أنجزت ما أمرك الله تعالى به ، فدنا مني فأدخل يده في جوفي فانتزع قلبي وشقّه فأخرج منه نكتة سوداء مملوءة بالدم فرمى بها ، فقال : هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله ، ثم حشاه بشيء كان معه وذره مكانه ثم ختمه بخاتم من نور ، فأنا السّاعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي. وقام (٢) الثالث فقال للثاني : تنحّ فقد أنجزنا ما أمرنا الله تعالى فيه ، ثم دنا الثالث مني فمرّ يده في مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، قال الملك : زنه بعشرة من أمته فوزنوني فرجحتهم ، فقال : دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ، ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضا لطيفا ، فأكبوا عليّ وقبّلوا رأسي وما بين عينيّ ، وقالوا (٣) : يا حبيب الله إنك لن تراع (٤) ولو تدري ما يراد بك من الخير لقرّت عيناك وتركوني قاعدا في مكاني هذا ، ثم جعلوا يطيرون حتى دخلوا حيال السماء وأنا أنظر إليهم ، ولو شئت لأريتك موضع مكانهم (٥) محولهما».
قالت : فاحتملته فأتيت به منازل بني سعد بن بكر ، فقال الناس : اذهبوا به إلى الكاهن حتى ينظر إليه ويداويه. فقال : «ما بي شيء مما تذكرون ، إني أرى نفسي سليمة ، وفؤادي صحيح بحمد الله». فقال : قال لي الناس : أصابه لمم أو طائف من الجن ، فقال : فغلبوني على رأيي. فانطلقت به إلى الكاهن فقصصت عليه القصة قال : دعيني أنا أسمع منه ، فإن الغلام أبصر بأمره منكم. تكلم يا غلام ، قالت حليمة : فقص ابني محمد قصته من (٦) أولها إلى آخرها. فوثب الكاهن قائما على قدميه فضمّه إلى صدره ونادى بأعلا صوته : يا آل العرب ، يا آل العرب. من شرّ قد اقترب ، اقتلوا هذا الغلام
__________________
(١) عن خع والبيهقي ، وبالأصل «صفراء».
(٢) عن البيهقي وبالأصل وخع : فأقام.
(٣) عن البيهقي ، بالأصل وخع : وقال.
(٤) بالأصل وخع : «ترع» والمثبت عن البيهقي.
(٥) كذا بالأصل وخع ، وفي البيهقي : موضع دخولهما.
(٦) في الدلائل : ما بين أولها.