فكان يكفي في تلك العصور أن يقال : هذا رجلُ يتشيّع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويُقتل شرّ قتله على يد أعداء أهل البيت النبوي.
فكان لابدّ لهم من العمل بالتقيّة اقتداء بما أشار عليهم أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فقد رُوي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال : «التقيّة ديني ودين آبائي» وقال : «من لا تقيّة له لا دين له» وقد كانت التقيّة شعاراً لأئمّة أهل البيت أنفسهم دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبّيهم ، وحقناً لدمائهم ، واستصلاحاً لحال المسلمين الذين فُتنوا في دينهم كما فُتن عمّار بن ياسر رضي الله عنه وحتّى أكثر.
أمّا أهل السنّة والجماعة ؛ فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء ؛ لأنّهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام مع الحكّام فلم يتعرّضوا لا لقتلٍ ولا لنهبٍ ولا لظلم ، فكان من الطبيعي جدّاً أن ينكروا التقيّة ويشنّعون على العاملين بها وقد لعب الحكّام من بني أُميّة وبين العبّاس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقيّة.
وبما أنّ الله سبحانه أنزل فيها قرآناً يُتلى وأحكاماً تُقضى ، وبما أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمل هو نفسه بها كما ـ مرّ عليك في صحيح البخاري ـ وأنّه أجاز لعمّار بن ياسر أن يسبّه ويكفر إذا عاوده الكفّار بالتعذيب ، وبما أنّ علماء المسلمين أجازوا ذلك إقتداء بكتاب الله وسنّة رسوله ، فأي تشنيع وأي استنكارٍ بعد هذا يصحّ أن يوجّه إلى الشيعة؟!
وقد عمل بالتقيّة الصحابة الكرام في عهد الحكّام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقصة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة ، وأمثال يزيد وابن زياد والحجّاج وعبد الملك بن مروان .. وأضرابهم ، ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقيّة لاستوجب كتاباً كاملاً ، ولكن ما أوردته من أدلّة أهل السنّة والجماعة كاف بحمد الله.
ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصّة طريفة وقعت لي شخصيّاً مع عالم من علماء أهل السنّة إلتقينا في الطائرة وكنا مدعوّين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا ،