من أعمارنا وما غبر منها والحال التي نحن فيها أو ما قبل وجودنا وبعد فنائنا. وقيل : الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا. والسماء التي وراءنا ، وما بين السماء والأرض وعلى الأقوال فالمراد أنه المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية. ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة فكيف يقدم على فعل إلا بأمره!
وقال أبو مسلم : في وجه النظم إن قوله : (وَما نَتَنَزَّلُ) من قول أهل الجنة لمن بحضرتهم أي ما ننزل الجنة إلا بأمر ربك. أما قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فعلى القول الأول معناه أنه ما كان امتناع النزول إلا لعدم الإذن ولم يكن لترك الله إياكم لقوله : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] وعلى قول غير أبي مسلم هو تأكيد لإحاطته تعالى بجميع الأشياء ، وأنه لا يجوز عليه أن يسهو عن شيء ما البتة. وعلى قول أبي مسلم المراد أنه ليس ناسيا لأعمال العاملين فيثيب كلا منهم بحسب عمله فيكون من تتمة حكاية قول أهل الجنة ، أو ابتداء كلام من الله تعالى خطابا لرسوله ويتصل به قوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي بل هو ربهما (وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ) الفاء للسببية لأن كونه رب العالمين سبب موجب لأن يعبد (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) لم يقل «على عبادته» لأنه جعل العبادة بمنزلة القرن في قولك للمحارب «اصطبر لقرنك» أي أوجد الاصطبار لأجل مقاومته. ثم أكد وجوب عبادته بقوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي ليس له مثل ونظير حتى لا تخلص العبادة له ، وإن عديم النظير لا بد أن يصبر على مواجب إرادته وتكاليفه خصوصا إذا كانت فائدتها راجعة إلى المكلف. وقيل : أراد أنه لا شريك له في اسمه وبيانه في وجهين : أحدهما أنهم وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن إلا أنهم لم يطلقوا لفظ الله على من سواه. وعن ابن عباس : أراد لا يسمى بالرحمن غيره. قلت : وهذا صحيح ولعله هو السر في أنه لم يكرر لفظ «الرحمن» في سورة تكريره في هذه السورة. وثانيهما هل تعلم من سمي باسمه على الحق دون الباطل لأن التسمية على الباطل كلا تسمية.
التأويل : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) الأزلي (إِبْراهِيمَ) القلب (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) للتصديق ثلاث مراتب : صادق صدق في أقواله ، وصادق صدق في أخلاقه وأحواله ، وصديق صدق في قيامه مع الله في الله بالله وهو الفاني عن نفسه الباقي بربه (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) الروح الذي يعبد صنم الدنيا بتبعية النفس (قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) اللدني (ما لَمْ يَأْتِكَ) لما ذكرنا أن القلب محل للفيض الإلهي أقبل من الروح كالمرآة فإنها تقبل النور لصفائها وينعكس النور عنها لكثافتها وصقالتها (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) السر (وَيَعْقُوبَ) الخفي (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) أسمعنا موسى القلب من جانب طور الروح لا من جانب وادي النفس الذي