سنين. وعن ابن عباس : كان قد لبث خمس سنين وقد اقترب خروجه ، فلما تضرع إلى ذلك الرجل لبث بعد ذلك سبع سنين. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك ما لبث في السجن» وعن مالك أنه لما قال له اذكرني عند ربك قيل له : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا ، لأطيلن حبسك. فبكى يوسف وقال : طول البلاء أنساني ذكر المولى فويل لإخوتي. قال المحققون : الاستعانة بغير الله في دفع الظلم جائزة. فقد روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يأخذه النوم ليلة من الليالي وكان يطلب من يحرسه حتى جاء سعد بن أبي وقاص فنام. وقال تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] ولا خلاف في جواز الاستعانة بالكفار في دفع الظلم والغرق والحرق إلا أن يوسف عليهالسلام عوتب على قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) لوجوه منها : أنه لم يقتد بالخليل جده حين وضع في المنجنيق فلقيه جبرائيل في الهواء وقال : هل من حاجة؟ فقال : أما إليك فلا مع أنه زعم أنه اتبع ملة آبائه. ومنها أنه قال : (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) وهذا يقتضي نفي الشرك على الإطلاق وتفويض الأمر بالكلية إلى الله سبحانه. فقوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) كالمناقض لهذا الكلام. ومنها أنه قال : (عِنْدَ رَبِّكَ) ومعاذ الله أنه زعم أنه الرب بمعنى الإله إلا أن إطلاق هذا اللفظ على الله لا يليق بمثله وإن كان رب الدار ورب الغلام مستعملا في كلامهم. ومنها أنه لم يقرن بكلامه إن شاء الله ، ولما دنا فرج يوسف أرى الله الملك في المنام سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها ، فاضطرب الملك بسببه لأن فطرته قد شهدت بأن استيلاء الضعيف على القوي ينذر بنوع من أنواع الشر إلا أنه لم يعرف تفصيله ، والشيء إذا علم من بعض الوجوه عظم الشوق إلى تكميل تلك المعرفة ولا سيما إذا كان صاحبه ذا قدرة وتمكين ، فبهذا الطريق أمر الملك بجمع الكهنة والمعبرين وقال : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) ثم إنه تعالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه فأعجز الله أولئك الملأ عن جواب المسألة وعماه عليهم حتى (قالُوا) إنها (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) ونفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بتأويلها. واعلم أن الله سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحيث يمكنها الصعود إلى عالم الأفلاك ومطالعة اللوح المحفوظ إلا أن المانع لها عن ذلك في اليقظة هو اشتغالها بتدبير البدن وبما يرد عليها من طريق الحواس ، وفي وقت النوم تقل تلك الشواغل فتقوى النفس على تلك المطالعة ، فإذا وقفت الروح على حالة من تلك الأحوال فإن بقيت في الخيال كما شوهدت لم يحتج إلى التأويل ، وإن نزلت آثار مخصوصة مناسبة لذلك الإدراك الروحاني إلى عالم الخيال فهناك