من وجه ، وأخطأ من وجه ، والسبب فيه التباس مذهب صاحب المنطق عليهم ، وظنهم (٤٣٤) أنه إنما يخوض في بيان بقاء النفس أو عدمها عند الموت حيث يصنّف (٤٣٥) المقالة الأخيرة من (٤٣٦) «كتاب النفس» ؛ وليس كذلك ، بل فرع (٤٣٧) سرا في المقالة الأولى حين يناظر ديمقراطيس عن أمر النفس ، وأعطى الأصل لمن يفهم في ذلك ، وهو أن الشيء الذي تتصوّر فيه المعقولات الكلية غير منقسم ، فمنع (٤٣٨) أن يكون الجوهر الجسماني هو المتلقي للمعاني العقلية بالقبول ، فالمتلقي (٤٣٩) لها إذن جوهر قائم بذاته غير منقسم ولا في منقسم ، حتى يعرض له بسببه (٤٤٠) الانقسام ، فتكون له براءة عن مشاكلة كل جسم وجسماني.
ثم إنه في المقالة الأخيرة إنما يتجرد لبيان القوى المرافقة للنفس في البقاء ، وقد دلّ قبل على أن الحسّية والخيالية والذّكرية ونحو ذلك والحركية لا تقوم بغير جسم ، وتبين من خلل كلامه أن الإدراك الحسي الظاهر والباطن لا يكون إلا بمنقسم (٤٤١) ، وأحبّ أن يبحث عن القوى العقلية وابتدأ بالقوة التي يقال لها العقل الهيولاني ، فبيّن أنها لا تضمحل ، ثم انتقل إلى غيرها فصرح بأنها لا تضمحل أيضا. ولفظة : «أيضا» تدل على أن حكما ثابتا جار مجرى الأول (٤٤٢).
ولأن بعض الناس توهم غير هذا ـ بناء على ظنه أن العقل الهيولاني استعداد للقلب ، فكأن المعقولات يتلقاها جسم القلب بهذا الاستعداد ـ تبلبل وأساء الظن وزاغ عن المحجة المثلى.
فالحق أن هذا العقل استعداد لجوهر النفس ، لا لشيء (٤٤٣) من الجسم ، وأنه يصحب جوهر النفس في كل حال. وقد بسطت القول في أن المعقولات لا يتلقاه المنقسم (٤٤٤) ، بسطا مغنيا (٤٤٥) شافيا. ولعله يعرض عليه إذا قدر الله الالتقاء به.
__________________
(٤٣٤) لر : وأظنهم. (٤٣٥) لر : نصف.
(٤٣٦) لر : في. (٤٣٧) لر : قد فرّغ.
(٤٣٨) لر : فيمنع. (٤٣٩) لر : والمتلقي.
(٤٤٠) لر : نسبة. (٤٤١) لر : الا منقسم ..
(٤٤٢) لر : جاريا مجرى الحكم الأول.
(٤٤٣) لر : شيء. (٤٤٤) لر : قد بسطت القول في أن المعقولات لا يتلقاها المنقسم.
(٤٤٥) لر : متقنا.