ثم اشتغل بتعليم المنطق والفلسفة والهندسة والطب ، وصار متبحّرا فيه ، حتى عالج السلطان نوح بن منصور الساماني (٢) من مرضه الذي تحير فيه الأطباء ؛ ولذلك اتّصل به واستفاد من خزانة كتبه.
قال : «فلما ثماني عشرة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها ؛ وكنت إذا ذاك للعلم أحفظ ، ولكنه اليوم معي أنضج. وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء بعد».
قال : «ثم مات والدي وتصرّفت بي الأحوال وتقلّدت شيئا من أعمال السلطان ، ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخارى والانتقال إلى كركانج ... ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ، ومنها إلى باورد ، ومنها إلى طوس ، ومنها إلى سمنقان ، ومنها إلى جاجرم ...
ومنها إلى جرجان ... ثم مضيت إلى دهستان ... وعدت منها إلى جرجان ، واتّصل أبو عبيد الجوزجاني بي».
وانتقل إلى الري وأقام عند مجد الدولة (٣) أياما ، ثم اتفقت له أسباب أوجبت خروجه إلى قزوين ، ومنها إلى همدان. ودعاه شمس الدولة (٤) لمعالجة «قولنج» أصابه وصار الشيخ من ندمائه وتقلّد هناك الوزارة. واتفق تشويش العسكر عليه ، فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس ، وأغاروا على أسبابه وأخذوا
__________________
(٢) نوح بن منصور بن نوح من الملوك السامانيين. ولد في ٣٥٣ ه. ق ببخارى وورث ملك ماوراء النهر عن أبيه في ٣٦٥ (على ما أكثر التواريخ المعتبرة) ومات في ٣٨٧ ه. ق ببخارى وتولى السلطنة بعده ابنه منصور. (ملخصا من لغت نامه).
(٣) مجد الدولة أبو طالب رستم بن فخر الدولة من الملوك الديالمة ، تولى السلطنة بالري بعد أبيه من ٣٨٧ ه ق. إلى ٤٢٠. (تاريخ مفصل ايران. عباس اقبال. ص ١٨١).
(٤) شمس الدولة أبو طاهر بن فخر الدولة أخو مجد الدولة ، تولى السلطنة بعد أبيه على همدان وكرمانشاه من ٣٨٧ ه ق. إلى ٤١٢ تقريبا (المصدر السابق ، ص ١٨٣).