يبدو أنهم حاولوا الاعتداد بـ «السماع» ـ أو الاستعمال اللغوي ـ وهو منطلق سليم ولا ريب إلى درس الظواهر اللغوية ومحاولة ضبطها في أصول وقواعد. وحاولوا كذلك خرق الطوق الذي فرضه البصريون بقصرهم الاستشهاد على من نعتوهم بـ «الفصحاء من العرب» ، والوقوف به عند زمن لا يتعداه ـ بداية العصر العباسي الأول على الأرجح ـ ضاربين عرض الحائط بما يمكن أن يلحق باللغة من تطوّر ليس بالضرورة فسادا وتخليطا وفوضى ولحنا.
ولقد كان بالإمكان أن تكون محاولة الكوفيين خيّرة ـ إذا أدخلنا في حسباننا ما يقتضيه الدرس اللغوي من ملاحقة التطوّر التاريخي للغة ـ لو لم يبالغوا فيها على ما يظهر لنا من شبه الإجماع على اتهامهم بأنهم لو سمعوا «بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوّبوا عليه» (١) ، وأنه من «عادة الكوفيين إذا سمعوا لفظا في شعر أو نادر كلام جعلوه بابا أو فصلا» (٢).
وقد يهون الأمر لو أن الكوفيين وقفوا به عند هذا
__________________
(١) الاقتراح ، ص ٨٤.
(٢) همع الهوامع ١ / ٤٥.