تعالى حكاية عن فرعون : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (٤٩) [طه : الآية ٤٩]؟ أي : أملك هو أم بشر أم جنّيّ؟ منكرا لأن يكون لهما ربّ سواه ؛ لادّعائه الرّبّوبيّة لنفسه ، ذاهبا في سؤاله هذا إلى معنى : ألكما ربّ سواي؟ فأجاب موسى عليه السّلام بقول : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : الآية ٥٠] كأنه قال : نعم لنا ربّ سواك ، هو الصانع الذي إذا سلكت الطريق الذي بيّن بإيجاده لما أوجد ، وتقديره إيّاه على ما قدّر ، واتّبعت فيه الخرّيت الماهر ، وهو العقل الهادي عن الضلال ؛ لزمك الاعتراف بكونه ربّا ، وأن لا ربّ سواه ، وأن العبادة له مني ومنك ومن الخلق أجمع حقّ لا مدفع له.
وقيل : هو للسؤال عن العارض المشخّص لذي العلم ، وهذا أظهر ؛ لأنه إذا قيل : «من فلان؟ يجاب بـ «زيد» ونحوه مما يفيد التشخيص ، ولا نسلّم صحة الجواب بنحو «بشر» أو «جنّيّ» كما زعم السكّاكيّ.
أما «أيّ» فللسؤال عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما ، يقول القائل : عندي ثياب ، فتقول : أيّ الثياب هي؟ فتطلب منه وصفا يميزها عندك عما يشاركها في الثوبيّة ، وفي التنزيل : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم : الآية ٧٣] أي : أنحن أم أصحاب محمد عليه السّلام؟ وفيه : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) [النّمل : الآية ٣٨] أي : الإنسيّ أم الجني؟.
وأما «كم» فللسؤال عن العدد ، وإذا قلت : كم درهما لك؟ وكم رجلا رأيت؟ فكأنك قلت : أعشرون أم ثلاثون أم كذا أم كذا ، وتقول : كم دراهمك وكم مالك؟ أي : كم دانقا؟ أو كم دينارا؟ وكم ثوبك؟ أي : كم شبرا؟ أو كم ذراعا؟ وكم زيد ماكث؟ أي : كم يوما؟ أو كم شهرا؟ وكم رأيتك؟ أي : كم مرّة؟ وكم سرت ؛ أي كم فرسخا؟ أو كم يوما؟ قال الله تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) [الكهف : الآية ١٩] أي كم يوما ، أو كم ساعة؟ وقال : (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) [المؤمنون : الآية ١١٢] ، وقال : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) [البقرة : الآية ٢١١] ، ومنه قول الفرزدق :
كم عمّة لك يا جرير وخالة |
|
فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (١) |
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣٦١ ، والأشباه والنظائر ٨ / ١٢٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٧١ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٥٨ ، والدرر ٤ / ٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥١١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٣٦ ، وشرح المفصل ٤ / ١٣٣ ، والكتاب ٢ / ٧٢ ، ولسان العرب (عشر) ، واللمع ص ٢٢٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٩ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٣٣١ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١١٦ ، ولسان العرب (كمم) ، والمقتضب ٣ / ٥٨ ، والمقرب ١ / ٣١٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٥٤.