في الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة
وانحصار علم البلاغة في المعاني والبيان
وللناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة ، لم أجد ـ فيما بلغني منها ـ ما يصلح لتعريفهما به ، ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم ؛ فالأولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما بالاعتبارين ، فنقول
كل واحدة منهما تقع صفة لمعنيين :
أحدهما : الكلام ، كما في قولك «قصيدة فصيحة ، أو بليغة» و «رسالة فصيحة ، أو بليغة».
والثاني : المتكلم ، كما في قولك «شاعر فصيح ، أو بليغ» و «كاتب فصيح ، أو بليغ».
والفصاحة خاصة تقع صفة للمفرد ، فيقال : «كلمة فصيحة» ولا يقال : «كلمة بليغة».
أما فصاحة المفرد ، فهي خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي.
فالتنافر منه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على اللسان ، وعسر النطق بها ، كما روي أن أعرابيا سئل عن ناقته ؛ فقال : تركتها ترعى الهعخع. ومنه ما هو دون ذلك. كلفظ مستشزر في قول امرىء القيس (١) :
__________________
(١) امرؤ القيس : هو امرؤ القيس بن حجر الكندي ، أبو وهب أو أبو الحارث ، يلقب بالملك الضليل وبذي القروح ، ولد سنة ١٣٠ قبل الهجرة ، وأمه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث أخت كليب والمهلهل التغلبيين ، نشأ في قبيلة كندة وهي أسرة ملوك ، وكان حجر والد امرىء القيس ملكا على بني أسد فقتلوه ، ولما أتاه نعي أبيه جعل يتنقل بين القبائل مؤلبا الأحلاف للثأر من بني أسد ، توفي سنة ٨٠ قبل الهجرة. ـ يقال : امرؤ القيس أول من ورد له نظم من العرب ، وعرف بأنه أول من وقف على الأطلال واستوقف ، وقيّد الأوابد ، وأول من سن عمود الشعر الذي جرى عليه الشعراء بعده ، (معجم الشعراء الجاهليين ص ٣٢ ـ ٣٣).