القول في الإنشاء
الإنشاء ضربان : طلب ، وغير طلب.
والطلب يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ، وهو المقصود بالنظر هاهنا.
وأنواعه كثيرة ، منها التمنّي ، واللفظ الموضوع له «ليت». ولا يشترط في التمني الإمكان ، تقول : ليت زيدا يجيء ، وليت الشباب يعود ، قال الشاعر : [العجاج]
يا ليت أيام الصّبا رواجعا (١)
وقد يتمنى بـ «هل» كقول القائل : «هل لي من شفيع؟» في مكان يعلم أنه لا شفيع له ، لإبراز المتمنّى ـ لكمال العناية به ـ في صورة الممكن ، وعلى قوله حكاية عن الكفار : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف : الآية ٥٣]؟.
وقد يتمنى بـ «لو» كقولك : «لو تأتيني فتحدّثني» بالنصب.
قال السّكاكي : وكأن حروف التّنديم والتحضيض ـ وهي : «هلّا» و «ألّا» بقلب الهاء همزة و «لولا» و «لوما» ـ مأخوذة منهما مركبتين مع «لا» و «ما» المزيدتين ؛ لتضمينهما معنى التمني ؛ ليتولّد منه في الماضي التنديم نحو «هلّا أكرمت زيدا» وفي المضارع التحضيض ، نحو «هلّا تقوم».
وقد يتمنّى بـ «لعلّ» فتعطى حكم «ليت» نحو «لعلّي أحجّ فأزورك» بالنصب ، لبعد المرجوّ عن الحصول ، وعليه قراءة عاصم في رواية حفص : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) [غافر : الآيتان : ٣٦ ، ٣٧] بالنصب.
ومنها الاستفهام ، والألفاظ الموضوعة له : الهمزة ، و «هل» و «ما» ، و «من» و «أي» و «كم» و «كيف» و «أين» و «أنّى» و «متى» و «أيّان».
فالهمزة لطلب التصديق ، كقولك : «أقام زيد؟» و «أزيد قائم» أو التصوّر ، كقولك :
__________________
(١) الرجز لرؤبة في شرح المفصل ١ / ١٠٤ ، وليس في ديوانه ، وللعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٠٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٠ ، وتاج العروس (ليت) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٢٦٢ ، والجنى الداني ص ٤٩٢ ، وجواهر الأدب ص ٣٥٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، والدرر ٢ / ١٧٠ ، ورصف المباني ص ٢٩٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٣٤ ، وشرح المفصل ١ / ١٠٤ ، والكتاب ٢ / ١٤٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٨٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٤ ، ولسان العرب (ليت).