وقولنا : «بحالهما» احتراز من إزالة حرف الاستثناء عن مكانه بتأخيره عن المقصور عليه ، كقولك في الأول : «ما ضرب عمرا إلا زيد» فإنه يختلّ المعنى ؛ فالضابط أن الاختصاص إنما يقع في الذي يلي «إلا».
ولكن استعمال هذا النوع ـ أعني تقديمها ـ قليل ؛ لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها ، كالضرب الصادر من زيد في «ما ضرب زيد إلا عمرا» والضرب الواقع على عمرو في «ما ضرب عمرا إلا زيد».
وقيل : إذا أخّر المقصور عليه والمقصور عن «إلا» وقدّم المرفوع ، كقولنا : «ما ضرب إلا عمرو زيدا» فهو على كلامين ، و «زيدا» منصوب بفعل مضمر ، فكأنه قيل : «ما ضرب إلا عمرو» أي ما وقع ضرب إلا منه ، ثم قيل : «من ضرب؟» فقيل : «زيدا» أي ضرب زيدا.
وفيه نظر ؛ لاقتضائه الحصر في الفاعل والمفعول جميعا.
وأما في «إنما» فيؤخّر المقصور عليه ، تقول : «إنما زيد قائم» ، و «إنما ضرب زيد» و «إنما ضرب زيد عمرا» و «إنما ضرب زيد عمرا يوم الجمعة» و «إنما ضرب زيد عمرا يوم الجمعة في السّوق» أي : ما زيد إلا قائم ، وما ضرب إلا زيد ، وما ضرب زيد إلا عمرا ، وما ضرب زيد عمرا إلا يوم الجمعة ، وما ضرب زيد عمرا يوم الجمعة إلا في السّوق ، فالواقع أخيرا هو المقصور عليه أبدا ؛ ولذلك تقول : «إنّما هذا لك ، وإنّما لك هذا» أي : ما هذا إلّا لك ، وما لك إلّا هذا ، حتى إذا أردت الجمع بين «إنما» والعطف فقل : «إنّما هذا لك ، لا لغيرك» و «إنما لك هذا ، لا ذاك» و «إنما أخذ زيد ، لا عمرو» و «إنما زيد يأخذ ، لا يعطي» ومن هذا تعثر على الفرق بين قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : الآية ٢٨] وقولنا : «إنما يخشى العلماء من عباد الله الله» فإن الأول يقتضي قصر خشية الله على العلماء ، والثاني يقتضي قصر خشية العلماء على الله.
واعلم أن حكم «غير» حكم «إلّا» في إفادة القصرين ـ أي قصر الموصوف على الصفة ، وقصر الصفة على الموصوف ـ وفي امتناع مجامعة «لا» العاطفة ، تقول في قصر الموصوف إفرادا : «ما زيد غير شاعر» وقلبا : «ما زيد غير قائم» وفي قصر الصفة بالاعتبارين بحسب المقام «لا شاعر غير زيد» ولا تقول «ما زيد غير شاعر لا كاتب» ولا «لا شاعر غير زيد لا عمرو».