المجاز المركب
وأما المجاز المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه ، أي : تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى ، ثم تدخل المشبّهة في جنس المشبه بها مبالغة في التشبيه ؛ فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه.
كما كتب به الوليد بن يزيد ـ لما بويع ـ إلى مروان بن محمد ، وقد بلغه أنه متوقّف في البيعة له : «أما بعد ، فإني أراك تقدّم رجلا ، وتؤخّر أخرى ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فاعتمد على أيّهما شئت ، والسّلام».
شبّه صورة تردّده في المبايعة بصورة تردّد من قام ليذهب في أمر ، فتارة يريد الذهاب فيقدّم رجلا ، وتارة لا يريد فيؤخر أخرى.
وكما يقال لمن يعمل في غير معمل : «أراك تنفخ في غير فحم ، وتخطّ على الماء» ، والمعنى : أنك في فعلك كمن يفعل ذلك ، وكما يقال لمن يعمل الحيلة حتى يميل صاحبه إلى ما كان يمتنع منه : «ما زال يفتل منه في الذّروة والغارب حتى بلغ منه ما أراد» والمعنى أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقا يشبه حاله فيه حال من يجيء إلى البعير الصعب ، فيحكه ، ويفتل الشّعر في ذروته وغاربه حتى يسكن ويستأنس ، وهذا في المعنى نظير قولهم : «فلان يقرّد فلانا» أي : يتلطف به ، فعل من ينزع القراد من البعير ؛ ليلتذّ بذلك ، فيسكن ، ويثبت في مكانه ، حتى يتمكن من أخذه.
وكذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات : الآية ١] فإنه لما كان التقدم بين يدي الرجل خارجا عن صفة المتابع له ؛ صار النهي عن التقدم متعلّقا باليدين ميلا للنهي عن ترك الاتّباع.
وكذلك قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزمر : الآية ٦٧] إذ المعنى ـ والله أعلم ـ أن مثل الأرض في تصرفها تحت أمر الله تعالى وقدرته مثل الشيء يكون في قبضة الآخذ له منّا ، والجامع يده عليه. وكذا قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٧) [الزّمر : الآية ٦٧] أي : يخلق فيها صفة الطّيّ حتى ترى كالكتاب المطويّ بيمين الواحد منا ، وخصّ اليمين ليكون أعلى وأفخم للمثل ؛ لأنها أشرف اليدين وأقواهما ، والتي لا غناء للأخرى دونها ، فلا يهش إنسان لشيء إلا بدأ بيمينه فهيّأها لنيله ، ومتى قصد جعل الشيء في جهة العناية جعل في اليد اليمنى ، ومتى قصد خلاف ذلك جعل في اليسرى ، كما قال ابن ميّادة :