بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تقديم
لما كانت «العربية» لغة حية فقد كان من الطبيعي أن تجد نفسها على مدى العصور في حالة بحث دائم عما يلبي حاجات أبنائها المتجددة أبدا تبعا لسنة التطور، وإذا كانت اللغة موروثا يملكه الفرد والجماعة على السواء، فلا مفر من تثميره بلا انقطاع لتوظيفه في مجاله الطبيعي بما يعود بالخير والنفع على مالكيه، ومن هنا كان سهر الطلائع من أهل الفكر والأدب والشعر عبر الأجيال على رصد مخزونهم اللغوي، والوقوف على ما يمكن أن يكون قد لحق به من نقص أو ضمور بفعل مستجدات الحياة لمده بدماء جديدة تكفل له النماء والصمود في وجه كل طارىء.
والبلاغة هي مرتقى علوم اللغة وأشرفها فالمرتبة الدنيا من الكلام هي التي تبدأ بألفاظ تدل على معانيها المحددة، ثم تتدرج حتى تصل إلى الكلمة الفصيحة والعبارة البليغة. وقد قيل: إذا تكلم المرء بلغة ما فهو يحدد هويته الحضارية والإنسانية، وإذا امتلك لغته، حدد مركزه في المجتمع، فاللغة وإن كانت وسيلة للتعبير عن الفكر، فهي تمثل الفكر كله، ولا عجب بعد ذلك إذا تحققت أسباب التطور والرقي نتيجة العناية بها.
واللغة ليست هدفا بحد ذاته، بل هي أداة تنقل الأفكار والمشاعر بين البشر، وهي أداة اتصال وحاملة معلومات، فقد قامت اللغة بدور الوسيط الاجتماعي ونجحت في تحقيق الاتصال والتواصل بين الناس، وكان أكثرهم قدرة على التأثير في نفوس سامعيه، هو من يمتلك مهارة الكلام، ويستعمل لغته بمرونة وطواعية في مختلف المجالات، وكانت الفعالية الاجتماعية ترتبط بالبلاغة، وهذه لم تكن تحتاج إلى أي أساس مادي، بل تشترط قوالب تعبير إبلاغية جيدة عند المتكلم ليصنّف بين المؤثرين في مجتمعه.
وقد ذكر كثير من العلماء وجوها عديدة لبيان إعجاز القرآن الكريم، كالتنبؤ بالمستقبل، وذكر أخبار وقصص الأولين وأحوالهم، والإشارات إلى الاكتشافات العلمية