عليه السّلام : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : الآية ٦٣] ولو كان التقرير بالفعل في قولهم : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) [الأنبياء : الآية ٦٢] لكان الجواب : «فعلت ، أو لم أفعل».
وفيه نظر ؛ لجواز أن تكون الهمزة فيه على أصلها ؛ إذ ليس في السياق ما يدلّ على أنهم كانوا عالمين بأنه عليه السّلام هو الذي كسر الأصنام.
وكقولك : «أزيدا ضربت» إذا أردت أن تقرّره بأن مضروبه زيد.
ومنها الإنكار : إما للتوبيخ ، بمعنى ما كان ينبغي أن يكون ، نحو : أعصيت ربك؟ أو بمعنى لا ينبغي أن يكون ، كقولك للرجل يضيّع الحقّ : أتنسى قديم إحسان فلان؟ وكقولك للرجل يركب الخطر : أتخرج في هذا الوقت؟ أتذهب في غير الطريق؟ والغرض بذلك تنبيه السامع حتى يرجع إلى نفسه ، فيخجل أو يرتدع عن فعل ما همّ به.
وإما للتكذيب بمعنى : «لم يكن» كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) [الإسراء : الآية ٤٠] ، وقوله : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) (١٥٣) [الصّافات : الآية ١٥٣] أو بمعنى «لا يكون» نحو : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) [طه : الآية ٢٨] وعليه قول امرىء القيس :
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟! (١) |
فيمن روى : «أيقتلني؟» بالاستفهام ، وقول الآخر : [عمارة بن عقيل]
أأترك إن قلّت دراهم خالد |
|
زيارته؟! إنّي إذا للئيم (٢) |
والإنكار كالتقرير ، يشترط أن يلي المنكر الهمزة ، كقوله تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) [الأنعام : الآية ٤٠] ، (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [الأنعام : الآية ١٤] ، (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : الآية ٢٤] وكقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزّخرف : الآيتان ٣١ ، ٣٢] أي ليسوا هم المتخيّرين للنبوة من يصلح لها ، المتولّين لقسمة رحمة الله التي لا يتولّاها إلا هو بباهر قدرته وبالغ حكمته.
وعدّ الزمخشري قوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : الآية ٩٩] وقوله : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) [الزّخرف : الآية ٤٠] من هذا الضرب ، على أن
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٣ ، ولسان العرب (غول) ، (شطن) ، وتهذيب اللغة ٨ / ١٩٣ ، وجمهرة اللغة ص ٩٦١ ، وتاج العروس (زرق) ، وبلا نسبة في المخصص ٨ / ١١١.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لعمارة بن عقيل في الكامل للمبرد ١ / ١٤٩.