على ما يدّعي أنه مستعار له ؛ إما باستعماله فيه ، أو بإثبات معناه له ، والاسم في مثل هذا غير جار على المشبه بوجه.
ولأنه يجيء على هذه الطريقة ما لا يتصور فيه التشبيه فيظنّ أنه استعارة كقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) [فصّلت : الآية ٢٨] إذ ليس المعنى على تشبيه جهنّم بدار الخلد ؛ إذ هي نفسها دار الخلد ، وكقول الشاعر : [أعشى قيس]
يا خير من يركب المطيّ ، ولا |
|
يشرب كأسا بكفّ من بخلا (١) |
فإنه لا يتصوّر فيه التشبيه ، وإنما المعنى أنه ليس ببخيل.
ولا يسمّى تشبيها أيضا ، لأن اسم المشبه به لم يجتلب فيه لإثبات التشبيه ، كما سبق ، وعدّه الشيخ صاحب المفتاح تشبيها ، والخلاف أيضا لفظيّ.
والدليل على أن الاستعارة مجازّ لغويّ ؛ كونها موضوعة للمشبه به ، لا للمشبه ولا لأمر أعم منهما ، كالأسد ، فإنه موضوع للسبع المخصوص ، لا للرجل الشجاع ، ولا للشجاع مطلقا ؛ لأنه لو كان موضوعا لأحدهما لكان استعماله في الرجل الشجاع من جهة التحقيق لا من جهة التشبيه ، وأيضا لو كان موضوعا للشجاع مطلقا لكان وصفا لا اسم جنس.
وقيل : الاستعارة مجاز عقلي ، بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبه به ؛ لأن نقل الاسم وحده لو كان استعارة لكانت الاعلام المنقولة كـ «يزيد» و «يشكر» استعارة.
ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة ؛ لأنه لا بلاغة في إطلاق الاسم المجرد عاريا عن عناه.
ولما صح أن يقال لمن قال : «رأيت أسدا» يعني زيدا : أنه جعله أسدا ، كما لا يقال لمن سمّى ولده أسدا : إنه جعله أسدا ؛ لأن «جعل» إذا تعدى إلى مفعولين ؛ كان بمعنى «صيّر» فأفاد إثبات صفة للشيء فلا تقول «جعلته أميرا» إلا على معنى أنك أثبتّ له صفة الإمارة.
وعليه قوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزّخرف : الآية ١٩] ، المعنى أنهم أثبتوا صفة الأنوثة ، واعتقدوا وجودها فيهم ، وعن هذا الاعتقاد صدر عنهم
__________________
(١) البيت من المنسرح ، وهو بلا نسبة في المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ص ١٠٢ ، ٦٦٤ ، والأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ١ / ١٠٥.