وكذا ما روى أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : «إن أحدكم إذا تصدق بالتمر من الطيّب ـ ولا يقبل الله إلا الطّيب ـ جعل الله ذلك في كفه ، فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوه ، حتى يبلغ بالتمرة مثل أحد» (١) والمعنى فيهما على انتزاع الشبه من المجموع.
وكل هذا يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة ، وقد يسمى التمثيل مطلقا ، ومتى فشا استعماله كذلك سمّي مثلا ؛ ولذلك لا تغيّر الأمثال.
ومما يبنى على التمثيل نحو قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : الآية ٣٧] معناه : لمن كان له قلب ناظر فيما ينبغي أن ينظر فيه ، واع لما يجب وعيه ، ولكن عدل عن هذه العبارة ونحوها إلى ما عليه التلاوة بقصد البناء على التمثيل ؛ ليفيد ضربا من التخييل ؛ وذلك إنه لما كان الإنسان حين لا ينتفع بقلبه ؛ فلا ينظر فيما ينبغي أن ينظر فيه ، ولا يفهم ، ولا يعي ، جعل كأنه قد عدم القلب جملة ، كما جعل من لا ينتفع بسمعه وبصره ، فلا يفكر فيما يؤديان إليه بمنزلة العادم لهما ، ولزم على هذا أن لا يقال : «فلان له قلب» إلا إذا كان ينتفع بقلبه ، فينظر فيما ينبغي أن ينظر فيه ويعي ما يجب وعيه ، فكان في قوله تعالى : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : الآية ٣٧] تخييل أن من لم ينتفع بقلبه كالعادم للقلب جملة ، بخلاف نحو قولنا : لمن كان له قلب ناظر فيما ينبغي أن ينظر فيه ، واع لما يجب وعيه.
وفي نظم الآية فائدة أخرى شريفة ، وهي تقليل اللفظ مع تكثير المعنى.
ونقل الشيخ عبد القاهر عن بعض المفسرين أنه قال : المراد بالقلب العقل ، ثم شدّد عليه النكير في هذا التفسير ، وقال : وإن كان المرجع فيما ذكرناه عند التحصيل إلى ما ذكره ، ولكن ذهب عليه أن الكلام مبنيّ على تخييل أن من لا ينتفع بقلبه ـ فلا ينظر ، ولا يعي ـ بمنزلة من عدم قلبه جملة ، كما تقول في قول الرجل إذا قال : «قد غاب عني قلبي» أو «ليس يحضرني قلبي» إنه يريد أن يخيّل إلى السامع أنه غاب عنه قلبه بجملته ، دون أن يريد الإخبار أن عقله لم يكن هناك ، وإن كان المرجع عند التحصيل إلى ذلك ، وكذا إذا قال : «لم أكن ها هنا» يريد غفلته عن الشيء ؛ فهو يضع كلامه على التخييل.
__________________
٦٧٩ ، والجنى الداني ص ٤٧١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٦ ، والمقتضب ٤ / ١٩٦ ، ٢٠٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٩.
(١) الحديث أخرجه البخاري في الزكاة باب ٨ ، والتوحيد باب ٢٣ ، ومسلم في الزكاة حديث ٦٣ ، ٦٤ ، والترمذي في الزكاة باب ٢٨ ، والنسائي في الزكاة باب ٤٨ ، وابن ماجة في الزكاة باب ٢٨ ، والدارمي في الزكاة باب ٣٤ ، ومالك في الصدقة حديث ١ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٣١ ، ٣٨٢ ، ٤١٨ ، ٤١٩ ، ٤٣١ ، ٤٧١ ، ٥٣٨ ، ٥٤١ ، ٦ / ٢٥١.