الثاني : إنّ المجتمع الكوفي ولا سيما الجيش المفترض أن يكون هو المعتمد في القيادة وتثبيت أركان الدولة والمحافظة على أمن واستقرار البلاد ، لم يكن جيشاً مؤهّلاً لهذه المهام ، كما أنّه لم يكن مؤهّلاً للدخول في حرب مع معاوية وأهل الشام المجتمعين على باطلهم ـ على حدّ تعبير الإمام علي عليهالسلام ـ ، فإنّه جيش مذبذب قد تنازعته الأهواء وعصفت به رياح الفتن وتناوشته الإشاعات من مكان قريب ، ففيه الخوارج الطالبون ثأراً من معاوية ، فهم ينتظرون راية تظلهم ينطوون تحت لوائها لإنجاز مهمتهم ، ولا يهمّهم ـ بعد ذلك ـ الانقلاب على قائدهم بعد ذلك ، لا سيما وأن قائدهم هو الإمام الحسن عليهالسلام بن علي بن أبي طالب عليهالسلام قاتل آبائهم وإخوانهم وأصحاب الرأي عندهم ، وفيه رؤساء القبائل والقادة الذي غرتهم الدنيا بزخارفها فكتبوا إلى معاوية ما كتبوا في شأن الإمام الحسن عليهالسلام ، وفيه أعين بني اُميّة الذين انبثّوا داخل معسكر الكوفة ليثيروا الإشاعات ويثبّطوا العزائم ويضعّفوا الهمم ، وفيه عامّة الناس وغوغاؤهم الذين لم يؤمنوا بالإمام الحسن عليهالسلام كإمام مفترَض الطاعة ، وقد سئموا الحرب وملّوها ، فلم تعد عندهم طاقة عليها كما لا صبر لهم على الجهاد ، فلم يبق مع الإمام عليهالسلام ممّن يعرف حقّه إلّا أفراد قلائل.
وقد حاول الإمام عليهالسلام بشدّته في رسالته ، وصلابته في موقفه ، وتوبيخه لهم وخطبه فيهم ، أن يرفع من معنوياتهم ، وينفخ في نفوسهم العزيمة من جديد ، ويضخ في عروقهم الدم الحر ، ويبث في قلوبهم الحماس والإقدام ، إلّا انّهم لم يعطوه النصف من أنفسهم فلم يجد لكلامه آذاناً صاغية ولا قلوباً واعية تعي عواقب الاُمور ، وتدرك مغبّة الوهن والضعف ، فباؤوا بغضب من الله وخسران مبين ، وانتهت حالهم إلى أن صاروا أذلّاء تحت سيطرة بني اُميّة يسومونهم سوء العذاب ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وقد صدقت نبوءة الإمام عليهالسلام في خطبته فيهم.