في الحالتين نوع من التحفيز والإثارة التي يُحدثها الموضوع ، وربّما هناك جانب من الضغط والقسرية يُشاغل التجربة من خلال الظلال التي تنسحب من الموضوع على النتاج بشكل أو بآخر على محور الاختيار والانتقاء في عملية بناء النص ، ممّا يُشكّل إعاقة أو حاجزاً نفسياً وخصوصاً في المراحل الأوّليّة الابتدائية من التجربة ، ومع انّ هذا التفريق يجد له حيّزاً من الحقيقة بلا شكّ لكنّني أرى ـ على مستوى التجربة الشعرية ـ انّ الشاعريّة الحقّة لا تعدّ الموضوع قانوناً قسريّاً يمنعها من التحقّق والامتداد فلا جديد تحت الشمس على مستوى المواضيع ، فالتفرّد والإبداع في تجدّد متواصل عبر مسيرة البشرية ونشاطاتها الحيوية ، فالشاعر معنيّ باكتشاف البدائل والمعادلات الشعرية والمداخل الوجدانية الجديدة لنفس الأفكار والمواضيع والاطروحات القديمة ، وهذا التحديد هو من صميم عملية اختياره وانتقائه التي يُجرّبها بوعي فني نفّاذ وإدراك جمالي متقدّم.
٣ ـ انّ مساحة الفعل الأخلاقي وحقل ممارسته تشمل مواصيع الحياة كافة بلا اختيار ولا انتقاء ولا فرز ولا تفضيل ، في حين انّ التجربة الجمالية قائمة على ذلك ممّا يقلّل من مساحتها التي تتفاعل عليها مع مفردات الحياة.
وبنفس الطريقة فالوقت
الذي تصرفه من حياتنا لنعايش الضوابط والمقرّرات الأخلاقية هو أكثر بكثير من الوقت الذي نستغرقه مع التجربة الجمالية عموماً ، ومع كون هذا التفريق لا يحدّد الأفضلية لجانب دون غيره ، لكنّه يبيّن أولوية جانب على آخر ويعطيه تراتبيّة مقرّرة سلفاً ، فيصبح بالإمكان إنشاء مدخلية أخلاقية للتجربة الجمالية باعتبارها نشاطاً منزّهاً عن الغرض على الأقل في حالة إدراكها ، ممّا يترتّب عليه سلوك أخلاقي خيّر واضح كل الوضوح ، وإذا أضفنا إلى ذلك الممارسة الشعائرية العبادية في التطابق السلوكي