هذا الحلم والرغبة المتوسّلة بان يكون التواصل حميمياً وخلّاقاً ، فهناك فجوة في قنوات التوصيل يتحمّلها الطرفان ـ الشاعر والقارىء في هذا المثال ـ فيقوم شخص ثالث بمهمّة المصالحة وتقريب وجهات النظر وترتيب مستلزمات اللقاء الحقيقي وهذا الشخص هو الناقد.
هذا التدخّل بين القارىء والنص له ما يُبرّره عندما يحاول تكوين حالة من الشعور والوعي الأفضل في ذهن المُتلقّي ، ليشدّ الانتباه إلى قراءة اُفق أوسع تكون أكثر إرضاءً وإمتاعاً من خلال إدراك ما هو مميّز في النتاج الشعري أو من خلال كشف مستويات جديدة في العمل ، وفي النتيجة يكون هذا التدخّل تدخّلاً لتدريب الحساسيّة أثناء القراءة ولإرهاف الذوق وتحفيز الاهتمام بالعمل الفنّي أو الأدبي ، وربّما وصل ـ على مستوى الأهداف والغايات الأكبر ـ إلى جعل عملية التلقّي إبداعاً له خصوصياته وفرادته.
والمسلّم به أنّ الناقد قارىء نوعيّ للنصوص ، أو هو قارىء متفوّق يُحسن قراءة النص بدرجة أعلى بكثير من درجة الصفر التي تُحدّد بداية التواصل بين قارىء مبتدىء ونص ، ومحاولتنا هنا مُقيّدة بتحليل وتشريح النصوص لا تقويمها والحكم عليها ، بمعنى أنّنا نحاول أن نجيب على سؤال : كيف كُتِب هذا النص ؟
هذا التفحّص النقدي
لا يُحاول الاستغراق في المعلومات الخاصّة ، ليعرض عضلاته الثقافية والمعرفية بقدر ما يحاول ـ إن استطاع ـ أن يسلّم القارىء مفاتيح النصوص من خلال التعرّف والوصول إلى بعض بواباتها المغلقة ، فنحن نحاول كشف الطرق التعبيرية والأساليب الفنية وكفاءة الأدوات التي يستخدمها الشعراء هنا ، لذا عالجنا كلّ نص حسب الظاهرة الاُسلوبية الأكثر وضوحاً فيه ، مع غضّ النظر عن الظواهر الاُخرى الموجودة في ثنايا النصوص