وكان الجاحظ (٢٥٥ ه) قد وضع كتابه في (البيان والتبيين) وضمنه شيئا كثيرا من مبادئ هذا العلم ، ولا سيما الموضوعات المتعلقة بالفصاحة وجودة التعبير وطلاقة اللسان والملكة ، غير أن الجاحظ لم يكن يقصد من ورائه البحث في علم المعاني والبيان ، كما كان هذان العلماء بعده غاية للمعنيين ببلاغة اللسان العربي.
ولقد وضع علماء البلاغة كتبا كثيرة في البيان والمعاني أوضحت المبادئ الأولية والأسس التي استقر عليها ، وكتاب (أسرار البلاغة) لعبد القاهر الجرجاني (٤٧٤ ه) يعد أعظم كتاب تتضح فيه الخطوط العريضة للعلوم البلاغية التي تشكل جزءا كبيرا من الأسس التي يستند إليها الناقد العربي ثم اتسع نطاق التأليف في هذه العلوم ، وضيق النظرة إلى موضوعاتها ، فانحسرت عن ميادين النقد الأدبي والدراسات الذوقية فقصد إليها النّاس لذاتها ، فألفت فيها المتون والشروح على المتون والأراجيز وشروحها ، والمختصرات وشروحها ، ومن ذلك كتاب (الإيضاح) في المعاني والبيان للقزويني (٧٣٩ ه) وعليه شروح جمة وحواش (١). ومنه (مفتاح العلوم) لسراج الدين السكاكي (٦٢٦ ه) الذي عقد فيه بابا عن علمي البيان والمعاني ، وعلى هذا الكتاب شروح كثيرة ، ومنه كتاب (مصباح الزمان في المعاني والبيان) لمحمد بن محمد المقدسي (٨٠٨ ه) ، ومنه (المصباح في اختصار المفتاح في المعاني والبيان) لبدر الدين بن مالك (٦٨٦ ه) ، وقد نظمه رجزا محمد بن عبد الرحمن المراكشي ، واختصره ابن النحوية ثم شرح المختصر.
__________________
(١) الكشف : ١ / ٢١٠.