ولست أريد أن أستقصي في هذا المجال موقع الشاعر من الأرتقيين وإن جاء مديحه لهم ، وتحريضه على قتال أعدائهم ، ولعل ما لقي عندهم من البر والإكرام وحياة النعيم والسّلام ، هو الذي جعله يلتصق بهم هذا الالتصاق ، على الرغم من أنهم لم يكونوا عربا ، بل كانوا من بقايا الأتراك السلاجقة الذين حكموا العراق حقبة من الزمن.
لقد اتصل الشاعر خلال هذه الحقبة من حياته بالجم الغفير من الأفاضل والأدباء ، والأعيان ، فاجتمع بابن سيد الناس ، وأبي حيان والصدر شمس الدين عبد اللطيف الذي كان يعتقد أنه ما نظم الشعر أحد مثله مطلقا. كما اجتمع هو والفيروزآبادي (٨١٧ ه) سنة (٧٤٧ ه) فقال فيه (١) : «اجتمعت سنة سبع وأربعين وسبعمائة بالأديب الشاعر ، صفي الدين بن سرايا الحلي ـ رحمهالله ـ بمدينة بغداد فرأيته شيخا كبيرا له قدرة تامة على النظم والنثر وخبرة بعلوم العربية ، والشعر ، فغزله أرق من النسيم ، وأدقّ من المحيا الوسيم ..».
وكانت هذه الصفة ، أعني شاعريته المميزة مثار إعجاب كل الذين عاصروه ، أو من جاء بعده ، يقول الكتبي فيه (٢) : الإمام العلامة القدوة الناظم الناثر ، شاعر عصره على الإطلاق ، أصبح راجح الحلي دونه ناقصا.
وراجح الحلي هذا أقدم من صفي الحلي كان من مداح الدولة الأيوبية بمصر توفي سنة (٦٢٧ ه) (٣).
__________________
(١) البلغة : ٦٠.
(٢) الفوات : ١ / ٥٨٠.
(٣) تاريخ مصر : ابن إياس : ١ / ٨٠ والنجوم الزاهرة : ٦ / ٢٧٥ وشذرات الذهب : ٥ / ١٢٣.