كان الراجح هذا ذا قدم راسخة في نظم الشعر ، مشهورا في عصره ، فحين برز الصفي بزّه وأخذ مكانه ، يقول الكتبي ـ أيضا ـ وكان ـ يعني الحلي راجحا ـ سابقا فعاد على كعبه ناكصا ، أجاد القصائد المطولة والمقاطع وأتى بما أخجل زهر النجوم في السماء ، كما قد أزرى بزهر الربيع ، تطربك ألفاظه المصقولة ، ومعانيه المعسولة ، ومقاصده التي كأنها سهام راشقة وسيوف مسلولة (١).
رحل الحلي ـ شاعرنا ـ إلى العراق في غضون عام ٧١٢ ه.
وحصل للأراتقة ـ وهو بعيد منهم ـ أن توفي الملك المنصور ، وقام بعده الملك العادل بعد أبيه ، ولكنه لم يلبث إلّا قليلا فتوفي بعد سبعة عشر يوما من سلطنته ، فتقلد آمر السلطنة بعده أخوه شمس الدين أبو المكارم الذي نظم فيه القصائد (الصالحيات) .. ولم يصل الخبر بوفاة المنصور صاحب ماردين إلّا بعد مرور مدة غير قليلة. فقصد ماردين ، للتعزية ، فوجد أنّ الآمر قد انتهى وأن أمورا قد حصلت دون أن يعلم شيئا عنها ، فقدم قصيدة في مدح السلطان الملك المنصور الصالح شمس الدين أبي المكارم ، وكان قد ولي بعد وفاة أخيه الملك العادل يقول فيها :
دبت عقارب صدغه في خده |
|
وسعى على الأرداف أرقم جعده |
قرن يخاف قرينه من قربه |
|
أضعاف خوف محبة من بعده |
أرمي الحصى من حافريه بمثله |
|
وأروع ضوء الصبح منه بضده |
__________________
(١) الفوات : ١ / ٥٨٠.