«إذا قام أحدكم» وفي حديث أبي عوانة : «من قام من مجلسه ثمّ رجع إليه ، فهو أحقّ به».
قال علماؤنا : هذا يدلّ على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه ، لأنّه إذا كان أولى به بعد قيامه فقبله أحرى وأولى ، وقد قيل : إنّ ذلك أولى ، وقد قيل : إنّ ذلك على النّدب ، لأنه موضع غير متملّك ، لكنّه يختصّ به إلى أن يفرغ غرضه منه ، فصار كأنه تملّك منفعته ، إذ قد منع غيره من مزاحمته.
وقال في «الإقليد» : وما في جوامع مصر من ذلك مما لم ينكره أهل العلم ، دليل على ذلك ، فأمّا ما وضع منها لطلب الأجرة كالمعلمين ، فلا يكونون أحقّ بها ، بل ينبغي إزالتها ، وكذلك إن وضع للعالم في الموضع حصير فهو أحق بذلك الموضع ، وإن تأخّر حتى سبقه غيره ، ويراعى في ذلك حقّ من يقصد العلماء فيجدهم في مكانهم.
وفي «الموطأ» (١) : أنّه كانت طنفسة توضع لعليّ (٢) بن أبي طالب رضياللهعنه يوم الجمعة تحت الحائط الغربي ، فإذا غشيها الظّلّ ، يخرج عمر رضياللهعنه فيخطب ، وهذا يرسخ ما تقدّم.
قال الباجي ـ رحمهالله ـ في كلامه على حديث صفوان مع السّارق لردائه : قال ابن القاسم في «العتبية» : فمن سرق من بسط المسجد التي توضع فيه في رمضان ؛ فإن كان عندها صاحبها قطع.
قلت : وهذا يدلّ على أنّ السّلف كانوا يضعون البسط في المسجد في رمضان ، ليحفظوا بها أماكن صلاتهم.
قال القاضي أبو بكر في قوله عليه الصلاة والسلام : «منى مناخ من سبق إليه برحله» (٣) ، دليل على ما يفعله الصوفية اليوم من تقديم سجاجيدهم إلى المسجد ليحفظوا أماكنهم للصّلاة.
__________________
(١) باب وقت الجمعة ، ص ٢٣ ، حديث (١٣).
(٢) في النسخة المطبوعة : «لعقيل بن أبي طالب».
(٣) رواه الترمذي ٣ / ٢٢٨ «باب أن منى مناخ من سبق» (٨٨١) ، وأبو داود ٢ / ٥٢١ «باب تحريم حرم مكة» (٢٠١٩). ولم ترد في هذه الروايات لفظة : «برحله».