المدينة عام خمسين ومائة ، عمل المرمر في جوانب المسجد حتى ألحقه بالسواري ، فسأله أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان أن يدع له مصلّى ، فتركه.
قلت : وهذا كلّه يدلّ على أنّ التابعين فمن بعدهم كان لهم من المسجد أماكن يختصون بها ، ويحافظون على بقائها برسمها ؛ لتكون باسمهم ، لفضلهم وعلمهم.
وروينا بالسّند الصّحيح إلى ابن عمر رضياللهعنهما أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا اعتكف يطرح له وسادة ، ويوضع له سرير من جريد فيه سعف يوضع له فيما بين الأسطوانة التي وجاه القبر وبين القناديل ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يضطجع عليه.
قال أبو وجزة السّعدي ، وهو يذكر السّرير ، ويمتدح آل الزبير لقربهم منه محلا :
وإذا غدا آل الزّبير غدا النّدى |
|
وإذا انتدوا فإليهم ما ينتدي |
وإذا هموا راحوا فإنهم هموا |
|
أهل السّرير وأهل صدر المسجد |
قلت : وهذا يؤيّد ما نحن بصدده ، ويزيد في عدده ومدده.
قال القرطبي في تفسير «سورة المجادلة» : القاعد في موضع من المسجد إذا قام لغيره ، وكان قيامه في موضع مثل الأول يسمع فيه كلام الإمام لم يكره له ذلك ، وإن كان أبعد من الإمام كره له ذلك ، لأنّ فيه تفويت حظّه من القرب ، وإذا أمر إنسان إنسانا أن يبكّر إلى الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه لا يكره ، فإذا جاء الآمر يقوم المأمور من المكان.
وروي أنّ ابن سيرين كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس فيه ، فإذا جاء قام له منه. قال : وعلى هذا من أرسل بساطا أو سجادة تبسط له في موضع من المسجد.
روى مسلم (١) عن أبي هريرة رضياللهعنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
__________________
(١) كتاب السلام «باب إذا قام من مجلسه ثم عاد» ٤ / ١٧١٥ (٣١ / ٢١٧٩).