آخرها» (١) ، لأنّه إذا تقدّم عن الجماعة وتركهم لم يسهل عليه تخليفهم ، وإن ذهب هو وهم إلى الصّفّ المتقدم قبل الصّلاة انقطع اشتغالهم ، وإن اشتغلوا فيه شوّشوا على المصلّين ، وإن تقدّموا بعد إقامة الصّلاة كان سعيهم من آخر المسجد إلى أوله عمل والإمام يصلّي ، وربما فاتتهم الركعة الأولى ، فأرخص لهم في ذلك.
ومما تترشح به مسألتنا ما ورد في «صحيح البخاري» في حديث الوليدة (٢) التي اتّهمت بالوشاح.
فقالت عائشة رضياللهعنها : كان لها خباء في المسجد ، أو حفش ، وهو البيت الصّغير.
وفي البخاريّ (٣) أنّه عليه الصّلاة والسّلام ضرب لسعد خيمة في المسجد ، حين أصيب يوم الخندق في أكحله ليعوده من قرب.
ومن ذلك أيضا بناء المقصورة في أيام عبد الملك ، والمتولّي على عمارتها عمر بن عبد العزيز ، فاقتطع لها قطعة من قبلة المسجد لمّا أراد حفظ والي المدينة من الغيلة.
وقد ذكر ابن رشد في «البيان والتحصيل» (٤) أنّ مروان بن الحكم فعل معه كما فعل مع عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، فأراد اليماني قتله في صلاة الصبح ، فأمر بمقصورة يصلّي فيها ويتحصّن بها ، فلمّا دعت الضّرورة إلى قطع جانب المسجد جاز ذلك للحاجة إليه ، ثمّ لم تزل حتى احترقت بحريق المسجد في ليلة الجمعة أوّل شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وستمائة ، ومنها بقيت أثرا إلى الآن (٥).
ومن ذلك بناء القبة التي في صحن المسجد الشريف ، عمّرها الإمام
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الصلاة ١ / ٣٢٦ (١٣٢).
(٢) انظر الحديث في كتاب الصلاة «باب نوم المرأة في المسجد» (٤٣٩).
(٣) كتاب الصلاة «باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم» (٤٦٣).
(٤) «البيان والتحصيل» ١ / ٢٩١.
(٥) يعني في عهد المؤلف.